تخشى الله كأنك تراه"، فعبّر عن المسبب باسم السبب توسّعًا، والألف واللام اللذان فِي "الإحسان" المسؤول عنه للعهد، وهو الذي قَالَ الله تعالى فيه:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} الآية [يونس: ٢٦]، وقوله:{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}[الرحمن: ٦٠] وقوله: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[البقرة: ١٩٥].
ولَمّا تكرّر الإحسان فِي القرآن، وترتّب عليه هَذَا الثواب العظيم، سأل عنه جبريل النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فأجابه ببيانه؛ ليعمل النَّاس عليه، فيحصل لهم هَذَا الحظّ العظيم. انتهى "المفهم" ١/ ١٤٣ - ١٤٤.
(قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (أَنْ تَعْبُدَ اللهَ) "أن" مصدريّة، والجملة فِي تأويل المصدر خبر لمحذوف: أي هو عبادة الله تعالى (كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ) قَالَ فِي "الفتح": أشار فِي الجواب إلى حالتين، أرفعهما أن يغلب عليه مشاهدة الحق بقلبه، حَتَّى أنه يراه بعينه، وهو قوله: "كأنك تراه": أي وهو يراك، والثانية أن يستحضر أن الحق مُطلِع عليه، يَرَى كل ما يعمل، وهو قوله: "فإنه يراك"، وهاتان الحالتان يثمرهما معرفة الله، وخشيته، وَقَدْ عبر فِي رواية عمارة بن القعقاع بقوله: "أن تخشى الله كأنك تراه"، وكذا فِي حديث أنس -رضي الله عنه-. وَقَالَ النوويّ: معناه إنك إنما تراعي الآداب المذكورة، إذا كنت تراه ويراك؛ لكونه يراك، لا لكونك تراه، فهو دائما يراك، فأحسن عبادته، وإن لم تره، فتقدير الْحَدِيث: فإن لم تكن تراه، فاستمر عَلَى إحسان العبادة، فإنه يراك، قَالَ: وهذا القدر منْ الْحَدِيث أصل عظيم، منْ أصول الدين، وقاعدة مهمة منْ قواعد المسلمين، وهو عمدة الصديقين، وبغية السالكين، وكنز العارفين، ودأب الصالحين، وهو منْ جوامع الكلم التي أوتيها -صلى الله عليه وسلم-، وَقَدْ ندب أهل التحقيق إلى مجالسة الصالحين؛ ليكون ذلك مانعا منْ التلبس بشيء منْ النقائص؛ احتراما، واستحياء منهم، فكيف بمن لا يزال الله مطلعا عليه، فِي سره وعلانيته. انتهى. وَقَدْ سبق إلى أصل هَذَا القاضي عياض وغيره.
(قَالَ) الرجل السائل (فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ) أي متى تقوم الساعة؟ وَقَدْ صرّح به فِي رواية عمارة بن القعقاع، واللام للعهد، والمراد يوم القيامة. قاله فِي "الفتح" ١/ ١٦٥.
وَقَالَ القرطبيّ: الساعة: هي فِي أصل الوضع: مقدارٌ منْ الزمان، غير معيّن، ولا محدود؛ لقوله تعالى:{مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ}[الروم: ٥٥] وفي عرف الشرع: عبارة عن يوم القيامة، وفي عرف المعدّلين (١): جزء منْ أربعة وعشرين جزءًا منْ أوقات الليل والنهار. قاله فِي "المفهم" ١/ ١٤٧.
(١) "المعدّلون": هم المشتغلون بالحساب، وتقدير الزمن. انتهى منْ هامش "المفهم" ١/ ١٤٧.