-صلى الله عليه وسلم-: "كلّ شيء بقدر حَتَّى العجز والكيس". رواه مسلم.
ولما كثر منْ ينكر القدر منْ الكفّار، ولهذا كثر تكراره فِي القرآن، وتنويهًا بذكره، ليحصل الاهتمام بشأنه أكّده بقوله:(كُلِّهِ) ثم قرّر ذلك بما أبدل منه، بقوله (خَيْرِهِ وَشَرِّهِ) زاد فِي رواية: "حُلْوه، ومرّه"، وزاد فِي أخرى:"منْ الله".
[تنبيه]: ظاهر السياق يقتضى أن الإيمان، لا يُطلق إلا عَلَى منْ صَدَّق بجميع ما ذُكر، وَقَدْ اكتفى الفقهاء بإطلاق الإيمان عَلَى منْ آمن بالله تعالى، ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولا اختلاف أن الإيمان برسول الله -صلى الله عليه وسلم- المراد به الإيمان بوجوده، وبما جاء به عن ربه، فيدخل جميع ما ذكر تحت ذلك. والله تعالى أعلم. قاله فِي "الفتح" ١/ ١٦٣.
(قَالَ) الرجل (صَدَقْتَ، قَالَ: فَأَخْبِرْني عَنِ الإحْسَانِ) قَالَ فِي "الفتح": هو مصدر أحسن يُحسن إحسانا، ويتعدى بنفسه وبغيره، تقول: أحسنت كذا: إذا أتقنته، وأحسنت إلى فلان: إذا أوصلت إليه النفع، والأول هو المراد؛ لأن المقصود إتقان العبادة، وَقَدْ يلحظ الثاني بأن المخلص مثلا محسن بإخلاصه إلى نفسه، وإحسانُ العبادة: الإخلاص فيها، والخشوع وفراغ البال حالَ التلبس بها، ومراقبة المعبود.
وَقَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: الإحسان هو مصدر أحسن يُحسن إحسانًا، ويقال عَلَى معنيين:[أحدهما]: متعدّ بنفسه، كقولك: أحسنت كذا، وفي كذا: إذا حسّنته، وكمّلته، وهو منقول بالهمزة منْ حسُن الشيءُ. [وثانيهما]: متعدّ بحرف جرّ، كقولك: أحسنت إلى كذا: أي أوصلت إليه ما ينتفع به، وهو فِي هَذَا الْحَدِيث بالمعنى الأول، لا بالمعنى الثاني، إذ حاصله راجع إلى إتقان العبادات، ومراعاة حقوق الله تعالى فيها، ومراقبته، واستحضار عظمته، وجلاله حالةَ الشروع، وحالة الاستمرار فيها.
وأرباب القلوب فِي هذه المراقبة عَلَى حالين:[أحدهما]: غالب عليه مشاهدة الحقّ، فكأنه يراه، ولعلّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أشار إلى هذه الحالة بقوله:"وجُعلت قُرّة عيني فِي الصلاة"(١)، رواه أحمد، والنسائيّ.
[وثانيهما]: لا ينتمي إلى هذه الحالة، لكن يغلب عليه أن الحقّ سبحانه وتعالى مطّلع عليه، ومشاهد له، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (٢١٨) وَتَقَلُّبَكَ فِي. السَّاجِدِين} [الشعراء: ٢١٨ - ٢١٩] وبقوله تعالى: {وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ}[يونس: ٦١]، وهاتان الحالتان ثمرة معرفة الله تعالى، وخشيته، ولذلك فسّر الإحسان فِي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- بقوله: "أن
(١) كَانَ فِي نسخة القرطبيّ: "وجعلت قرة عيني فِي عبادة ربي"، والذي فِي مسند أحمد ٣/ ١٢٨ و١٩٩ و٢٨٥ و"سنن النسائيّ" ٧/ ٦٢ بلفظ: "وجعلت قرة عيني فِي الصلاة"، فليُتنبّه.