للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الصاع كَانَ قيمة اللبن، فلذلك أوجبه؛ لوجوه ثلاثة:

[أحدها]: أن القيمة هي الأثمان، لا التمر. [الثاني]: أنه أوجب فِي المصراة منْ الإبل، والغنم جميعًا، صاعا منْ تمر، مع اختلاف لبنها. [الثالث]: أن لفظه للعموم، فيتناول كل مصراة، ولا يتفق أن تكون قيمة لبن كل مصراة صاعا، وإن أمكن أن يكون كذلك، فيتعين إيجاب الصاع؛ لأنه القيمة التي عين الشارع إيجابها، فلا يجوز أن يعدل عنها.

وإذ قدمت هَذَا، فإنه يجب أن يكون الصاع منْ التمر جيدا، غير معيب؛ لأنه واجب بإطلاق الشارع، فينصرف إلى ما ذكرناه، كالصاع الواجب فِي الفطرة، ولا يجب أن يكون منْ الأجود، بل يجوز أن يكون منْ أدنى ما يقع عليه اسم الجيد، ولا فرق بين أن تكون قيمة التمر، مثل قيمة لبن الشاة، أو أقل، أو أكثر، نص عليه أحمد، وليس هَذَا جمعا بين البدل والمبدل؛ لأن التمر بدل اللبن، قدره الشرع به، كما قدر فِي يدي العبد قيمته، وفي يديه ورجليه قيمته مرتين، مع بقاء العبد عَلَى ملك سيده.

وإن عدم التمر فِي موضعه، فعليه قيمته فِي الموضع الذي وقع عليه العقد؛ لأنه بمثابة عين أتلفها، فيجب عليه قيمتها. أفاده فِي "المغني" ٦/ ٢١٧ - ٢١٩. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): قَالَ ابن قُدامة رحمه الله تعالى: إن عدم بالتصرية قبل حلبها، مثل أن أقر به البائع، أو شهد به منْ تقبل شهادته، فله ردها، ولا شيء معها؛ لأن التمر إنما وجب بدلا للبن المحتلب، ولذلك قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "منْ اشترى غنما مصراة، فاحتلبها، فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ففي حلبتها صاع منْ تمر"، ولم يأخذ لها لبنا هاهنا، فلم يلزمه رد شيء معها، وهذا قول مالك، قَالَ ابن عبد البرّ: هَذَا ما لا خلاف فيه.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: فيه أن الخلاف موجود، فقد قَالَ فِي "الفتح" ٥/ ١٠٥: فيه وجه للشافعية، ويرجح أنه لا يثبت، رواية عكرمة، عن أبي هريرة، فِي هَذَا الْحَدِيث عند الطحاوي، فإن لفظه: "منْ اشترى مُصَرّاة، ولم يعلم أنها مصراة" الْحَدِيث. انتهى.

قَالَ الجامع: لكن الْحَدِيث ضعيف؛ لأن فِي إسناده ابن لهيعة، فظهر بهذا أن الصحيح أنه يثبت له الخيار، فتنبّه. والله تعالى أعلم.

قَالَ ابن قدامة: وأما لو احتلبها، وترك اللبن بحاله، ثم ردها رد لبنها، ولا يلزمه أيضًا بشيء؛ لأن المبيع إذا كَانَ موجودا، فرده لم يلزمه بدله، فإن أبى البائع قبوله،