للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ذهب كل منْ جوّز رد المصرّاة بعيب التصرية إلى أنه إذا علم التصرية، واختار الرد بعد أن حلبها، لزمه رد بدل اللبن، وهو مقدر فِي الشرع بصاع منْ تمر، كما فِي الْحَدِيث الصحيح المذكور فِي الباب، ولا فرق فِي ذلك بين الغنم، والإبل، وغيرهما مما أُلحق بهما، ولا بين أن يكون اللبن قليلاً، أو كثيرًا، ولا بين أن يكون التمر قوت البلد، أم لا؟، وهذا مذهب مالك، والشافعيّ، والليث، وأحمد، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور.

وذهب مالك، وبعض الشافعية، إلى أن الواجب صاع، منْ غالب قوت البلد؛ لأن فِي بعض طرق الْحَدِيث: "ورد معها صاعا منْ طعام"، وفي بعضها: "ورد معها مثل أو مثلي لبنها قمحا" (١)، فجمع بين الأحاديث، وجعل تنصيصه عَلَى التمر؛ لأنه غالب قوت البلد فِي المدينة، ونص عَلَى القمح؛ لأنه غالب قوت بلد آخر.

وَقَالَ أبو يوسف: يرد قيمة اللبن؛ لأنه ضمان متلف، فكان مقدرا بقيمته، كسائر المتلفات، وحكي ذلك عن ابن أبي ليلى، وحكي عن زفر: أنه يرد صاعا منْ تمر، أو نصف صاع منْ بر، بناءً عَلَى قولهم فِي الفطرة، والكفارة.

وحجة الأولين الْحَدِيث الصحيح المذكور، وهو المعتمد عليه فِي هذه المسألة، وَقَدْ نص فيه عَلَى التمر، فَقَالَ: "إن شاء ردها وصاعا منْ تمر"، وفي لفظ: "منْ اشترى غنما مصراة، فاحتلبها، فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ففي حلبتها صاع منْ تمر"، وفي لفظ: "ورد صاعا منْ تمر، لا سمراء"، وفي لفظ: "طعاما، لا سمراء": يعني لا يرد قمحا، والمراد بالطعام هاهنا التمر؛ لأنه مطلق فِي أحد الحديثين، مقيد فِي الآخر فِي قضية واحدة، والمطلق فيما هَذَا سبيله يحمل عَلَى المقيد، وحديث ابن عمر، مُطرح الظاهر بالإتفاق، إذ لا قائل بإيجاب مثل لبنها، أو مثلي لبنها قمحا، ثم قد شك فيه الراوي، وخالفته الأحاديث الصحاح، فلا يعول عليه. وقياس أبي يوسف مخالف للنص، فلا يلتفت إليه، ولا يبعد أن يقدر الشرع بدل هَذَا المتلف، قطعا للخصومة، ودفعا للتنازع، كما قدر بدل الآدمي، ودية أطرافه، ولا يمكن حمل الْحَدِيث، عَلَى أن


(١) الْحَدِيث رواه أبو داود فِي "سننه" ٣٤٤٦ - وفي سنده جُميع بن عمير، مختلف فيه، قَالَ الخطابي: ليس إسناده بذاك، وَقَالَ البيهقيّ: تفرد به جميع بن عير، قَالَ البخاريّ: فيه نظر. وَقَالَ ابن نمير: كَانَ منْ أكذب النَّاس، كَانَ يقول: الكراكي تفرخ فِي السماء، ولا تقع فراخها، وذكره ابن حبّان فِي "الضعفاء"، وَقَالَ: كَانَ رافضيًّا، يفع الْحَدِيث، وذكره فِي "الثقات" أيضاً، وَقَالَ ابن عديّ: عامة ما يرويه لا يتابع عليه، وَقَالَ أبو حاتم: كوفيّ صالح الْحَدِيث، منْ عتّق الشيعة. انتهى "طرح التثريب" ٦/ ٨١.