اختلافها بالكبر والصغر، والغرةِ مقدرة فِي الجنين، مع اختلافه، والحكمة فِي ذلك، أن كل ما يقع فيه التنازع، فليقدر بشيء معين؛ لقطع التشاجر، وتقدم هذه المصلحة عَلَى تلك القاعدة، فإن اللبن الحادث بعد العقد، اختلط باللبن الموجود وقت العقد، فلم يُعرف مقداره حَتَّى يوجب نظيره عَلَى المشترى، ولو عُرف مقداره، فوُكل إلى تقديرهما، أو تقدير أحدهما، لأفضى إلى النزاع والخصام، فقطع الشارع النزاع والخصام، وقدّره بحد لا يتعديانه؛ فصل للخصومة، وكان تقديره بالتمر أقرب الأشياء إلى اللبن، فإنه كَانَ قوتهم إذ ذاك، كاللبن وهو مكيل كاللبن، ومقتات، فاشتركا فِي كون كل واحد منهما مطعوما، مقتاتا، مكيلا وأشتركا أيضًا فِي أن كلا منهما يُقتات به بغير صنعة، ولا علاج.
[ثالثها]: أن اللبن التالف، إن كَانَ موجودا عند العقد، فقد ذهب جزء منْ المعقود عليه، منْ أصل الخلقة، وذلك مانع منْ الرد، فقد حدث عَلَى ملك المشتري، فلا يضمنه، وإن كَانَ مختلطا، فما كَانَ منه موجودا عند العقد، وما كَانَ حادثا لم يجب ضمانه.
[والجواب]: أن يقال إنما يمتنع الرد بالنقص، إذا لم يكن لاستعلام العيب، وإلا فلا يمتنع، وهنا كذلك.
[رابعها]: أنه خالف الأصول، فِي جعل الخيار فيه ثلاثاً، مع أن خيار العيب، لا يقدر بالثلاث، وكذا خيار المجلس عند منْ يقول به، وخيار الرؤية عند منْ يثبته.
[والجواب]: بأن حكم المصراة انفرد بأصله عن مماثلة، فلا يُستغرب أن ينفرد بوصف زائد عَلَى غيره، والحكمة فيه أن هذه المدة هي التي يتبين بها لبن الخلقة، منْ اللبن المجتمع بالتدليس غالبا، فشُرعت لاستعلام العيب، بخلاف خيار الرؤية والعيب، فلا يتوقف عَلَى مدة، وأما خيار المجلس، فليس لاستعلام العيب، فظهر الفرق بين الخيار فِي المصراة، وغيرها.
[خامسها]: أنه يلزم منْ الأخذ به، الجمع بين العوض والمعوض، فيما إذا كانت قيمة الشاة صاعا منْ تمر، فإنها ترجع إليه منْ الصاع الذي هو مقدار ثمنها.
[والجواب]: أن التمر عوض عن اللبن، لا عن الشاة، فلا يلزم ما ذكروه.
[سادسها]: أنه مخالف لقاعدة الربا، فيما إذا اشترى شاة بصاع، فإذا استرد معها صاعا، فقد استرجع الصاع الذي هو الثمن، فيكون قد باع شاة وصاعا بصاع.
والجواب أن الربا إنما يعتبر فِي العقود، لا الفسوخ، بدليل أنهما لو تبايعا ذهبا بفضة، لم يجز أن يتفرقا قبل القبض، فلو تقايلا فِي هَذَا العقد بعينه، جاز التفرق قبل القبض.