بالعيب لا تقطعه الفرقة. ومن الغريب أنهم لا يقولون بخيار المجلس، ثم يحتجون به فيما لم يرد فيه.
ومنهم منْ قَالَ: هو خبر واحد، لا يفيد إلا الظن، وهو مخالف لقياس الأصول، المقطوع به، فلا يلزم العمل به.
وتعقب بأن التوقف فِي خبر الواحد، إنما هو فِي مخالفة الأصول، لا فِي مخالفة قياس الأصول، وهذا الخبر إنما خالف قياس الأصول، بدليل أن الأصول الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، والكتاب والسنة فِي الحقيقة، هما الأصل، والآخران مردودان إليهما، فالسنة أصل، والقياس فرع، فكيف يرد الأصل بالفرع؟، بل الْحَدِيث الصحيح أصل بنفسه، فكيف يقال: إن الأصل يخالف نفسه؟، وعلى تقدير التسليم يكون قياس الأصول، يفيد القطع، وخبر الواحد لا يفيد إلا الظن، فتناوُل الأصلِ لمحلّ هَذَا الخبر الواحد، غير مقطوع به؛ لجواز استثناء محله منْ ذلك الأصل.
قَالَ ابن دقيق العيد: وهذا أقوى متمسك به، فِي الرد عَلَى هَذَا المقام. وَقَالَ ابن السمعاني: متى ثبت الخبر صار أصلاً منْ الأصول، ولا يُحتاج إلى عرضه عَلَى أصل آخر؛ لأنه إن وافقه فذاك، وان خالفه فلا يجوز رد أحدهما؛ لأنه رد للخبر بالقياس، وهو مردود باتفاق، فإن السنة مقدمة عَلَى القياس بلا خلاف، إلى أن قَالَ: والأولى عندي فِي هذه المسألة، تسليم الأقيسة، لكنها ليست لازمة؛ لأن السنة الثابتة مقدمة عليها. والله تعالى أعلم.
وعلى تقدير التنزل، فلا نسلم أنه مخالف لقياس الأصول؛ لأن الذي ادَّعَوه عليه منْ المخالفة، بينوها بأوجه:
[أحدها]: أن المعلوم منْ الأصول، أن ضمان المثليات بالمثل، والمتقومات بالقيمة، وهاهنا إن كَانَ اللبن مثليا، فليضمن باللبن، وإن كَانَ متقوما، فليضمن بأحد النقدين، وَقَدْ وقع هنا مضمونا بالتمر، فخالف الأصل.
[والجواب]: منع الحصر، فإن الحر يُضمن فِي ديته بالإبل، وليست مثلا، ولا قيمة، وأيضاً فضمان المثل ليس مطردا، فقد يُضمن المثل بالقيمة، إذا تعذرت المماثلة، كمن أتلف شاة لبونا، كَانَ عليه قيمتها، ولا يجعل بإزاء لبنها لبنا آخر؛ لتعذر المماثلة.
[ثانيها]: أن القواعد تقتضي، أن يكرن المضمون مُقَدَّر الضمان بقدر التالف، وذلك مختلف، وَقَدْ قدرنا هنا بمقدار واحد، وهو الصاع، فخرج عن القياس.
[والجواب]: منع التعميم فِي المضمونات، كالموضحة، فأرشها مُقَدَّر، مع