(فَتُطعِمُهُ) بضم أوله، من الإطعام رباعيًّا (وَكَانَتْ أُمُّ حَرَام بِنْتُ مِلْحَان تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ) ظاهر هذا أنها كانت حينئذ زوج عبادة. وفي الرواية التالية:"فتزوّجها عُبادة بن الصامت، فركب البحر، وركبت معه … ". وفي رواية لمسلم:"فتزوّج بها عبادةُ بعدُ … ". ويُجمع بأن المراد بقوله هنا:"وكانت تحت عبادة" الإخبار عما آل إليه الحال بعد ذلك. وهو الذي اعتمده النوويّ وغيره، تبعًا للقاضي عياض.
لكن وقع في ترجمة أمّ حرام من "طبقات ابن سعد" أنها كانت تحت عبادة، فولدت له محمدًا، ثم خلف عليها عمرو بن قيس بن زيد الأنصاريّ النّجّاريّ، فولدت له قيسًا، وعبد اللَّه، وعمرُو بنُ قيس هذا اتفق أهل المغازي أنه استُشهِد بأحد، وكذا ذكر ابن إسحاق أن ابنه قيس بن عمرو بن قيس استُشهد بأحد، فلو كان الأمر كما وقع عند ابن سعد لكان محمد صحابيًّا؛ لكونه وُلد لعُبَادة قبل أن يفارق أمّ حرام، ثم اتصلت بمن ولدت قيسًا، فاستشهد بأحد، فيكون محمد أكبر من قيس بن عمرو، إلا أن يقال: إن عبادة سَمَّى ابنه محمدًا في الجاهلية، كما سُمّي بهذا الاسم غير واحد، ومات محمد قبل إسلام الأنصار، فلهذا لم يذكروه فى الصحابة، ويعكر عليه أنهم لم يَعُدّوا محمد بن عبادة فيمن سُمّي بهذا الاسم قبل الإسلام.
قال الحافظ: ويمكن الجواب (١)، وعلى هذا فيكون عبادة تزوّجها أوّلاً، ثم فارقها، فتزوّجت عمرو بن قيس، ثم استُشهد، فرجعت إلى عبادة، والذي يظهر لي أن الأمر بعكس ما وقع في الطبقات، وأنّ عمرو بن قيس تزوّجها أوّلاً، فولدت له، ثم استُشهِد هو وولده قيس منها، وتزوّجت بعده بعبادة.
(فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - يَوْمًا، فَأَطْعَمَتْهُ) قال الحافظ: لم أقف على تعيين ما أطعمته يومئذ (وَجَلَسَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ) -بفتح المثنّاة، وسكون الفاء، وسكون الفاء، وكسر اللام- أي تفرّق شعر رأسه، وتُفَتِّش ما فيه من القمل، فتخرجه (فَنَامَ رَسُولُ اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -) وفي الرواية التالية: "وقال عندنا"، فدلّ على أن ذلك النوم كان وقت القائلة. وفي رواية للبخاريّ:"فنام قريبًا منّي"، وفي رواية:"فاتّكأ"(ثُمَّ اسْتَيْقَظَ، وَهُوَ يَضْحَكُ) بفتح أوله، من باب تَعِب، جملة في محلّ نصب على الحال من الفاعل (قَالَتْ: فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ) بضمّ أوله، من الإضحاك، أي ما الذي يَحمِلك على الضّحِكِ؟ (يَا رَسُولَ اللَّه) وفي الرواية التالية: "بأبي أنت وأمي ما أضحكك؟ "، وفي رواية أبي طوالة:"لم تَضحَك؟ "، ولأحمد من طريقه:"مِمَّ تضحك؟ "، وفي رواية عطاء بن يسار، عن
(١) - لم يذكر الجواب، والظاهر أن الجواب أن عدم ذكرهم له لا يستلزم عدم وجوده. واللَّه تعالى أعلم.