قال الحافظ: والذي يترجّح قول الجمهور، ولكن قد يكون الفطر أفضل لمن اشتدّ عليه الصوم، وتضرر به، وكذلك من ظُنّ به الإعراض عن قبول الرخصة، كما تقدّم نظيره في المسح على الخفّين.
وقد رَوَى أحمد من طريق أبي طعمة، قال: قال رجل لابن عمر: إني أقوى على الصوم في السفر، فقال له ابن عمر: من لم يقبل رخصة اللَّه كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة، وهذا محمول على من رغب عن الرخصة؛ لقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "من رغب عن سنتي فليس مني"، وكذلك من خاف على نفسه العجب، أو الرياء إذا صام في السفر، فقد يكون الفطر أفضل له.
وقد أشار إلى ذلك ابن عمر - رضي اللَّه عنهما -، فروى الطبريّ من طريق مجاهد، قال: إذا سافرت، فلا تصم، فإنك إن تصم قال أصحابك: اكفوا الصائم، ارفعوا للصائم، وقاموا بأمرك، وقالوا: فلان صائم، فلا تزال كذلك حتى يذهب أجرك.
ومن طريق مجاهد أيضًا عن جنادة بن أميّة، عن أبي ذرّ - رضي اللَّه عنه - نحو ذلك. وسيأتي للمصنّف -٥٢/ ٢٢٨٣ - من طريق مُوَرّق العجليّ، عن أنس - رضي اللَّه عنه - نحو هذا، مرفوعًا، حيث قال - صلى اللَّه عليه وسلم - للمفطرين حيث خَدَموا الصوّام:"ذهب المفطرون اليوم بالأجر". متفق عليه.
واحتجّ من منع الصوم أيضًا بما وقع من الزيادة في حديث ابن عباس - رضي اللَّه عنهما -: "أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - خرج إلى مكة في رمضان، فصام حتى بلغ الْكَدِيد أفطر، فأفطر الناس". متفق عليه، فقد زاد مسلم من طريق الليث، عن الزهريّ:"قال: وكان أصحاب رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يتبعون الأحدث، فالأحدث من أمره". قالوا: إن صومه - صلى اللَّه عليه وسلم - في السفر منسوخ.
وتُعُقّب أوّلاً بأن هذه الزيادة مدرجة من قول الزهري، وبأنه استند إلى ظاهر الخبر من أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أفطر بعد أن صام، ونَسَبَ من صام إلى العصيان.
ولا حجة في شيء من ذلك؛ لأن مسلمًا أخرج من حديث أبي سعيد - رضي اللَّه عنه - أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - صام بعد هذه القصّة في السفر، ولفظه:"سافرنا مع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - إلى مكة، ونحن صيام، فنزلنا منزلاً، فقال النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إنكم قد دنوتم من عدوّكم، والفطر أقوى لكم، فأَفْطِرُوا"، فكانت رخصة، فمنا من صام، ومنا من أفطر، فنزلنا منزلاً، فقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إنكم مصبّحوا عدوّكم، فالفطر أقوى لكم، فأَفْطِروا، فكانت عزيمة، فأَفْطَرنَا، ثم لقد رأيتنا نصوم مع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بعد ذلك في السفر".
قال الحافظ: وهذا الحديث نصٌّ في المسألة، ومنه يؤخذ الجواب عن نسبته - صلى اللَّه عليه وسلم -