بل حتى تخلّفه، فدلّ على أنه إن شاء اتبعها، ولا يجلس حتى توضع، وإن شاء لم يتبعها، ولكن يقوم حتى تخلّفه، وأصرح من هذا ما يأتي في حديث عامر بن ربيعة - رضي اللَّه عنه -، بلفظ:"فلم يكن ماشيًا معها … ". واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
المسألة الرابعة: في اختلاف أهل العلم في حكم القيام للجنازة:
قال الإمام أبو بكر ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: قد اختلف أهل العلم في القيام للجنائز إذا مرّت، فقالت طائفة: يقوم لها، فعل ذلك أبو مسعود البدريّ، وأبو سعيد الخدريّ، وقيس بن سعد، وسهل بن حُنيف، وسالم بن عبد اللَّه.
ورأت طائفة أن لا يقوم المرأ للجنازة تمرّ به، مُرَّ على سعيد بن المسيّب بجنازة، فلم يقم لها، وكان عروة بن الزبير يَعيب من يفعل ذلك، وقال مالك: ليس على الرجل أن يقوم للجنازة إذا رآها، ولا يقعد حتى تجاوزه، مسلما كان، أو كافرًا. وقال الشافعيّ: لا يقوم للجنازة من لا يشهدها، والقيام لها منسوخ. وقال أحمد: إن قام لم يقعد، وإن قعد فلا بأس، وكذلك قال إسحاق. وقال أحمد: قوله: "فليقم" إنما ذا على القاعد يقوم، وقال أحمد: من قام للجنازة فذاك، ومن لم يقم ذهب إلى حديث عليّ - رضي اللَّه عنه -: "قام رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقمنا، وقعد، فقعدنا"، قال أبو عبد اللَّه: أما أنا فلا أقوم.
قال ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: مذهب أحمد، وإسحاق حسن في الوجهين انتهى (١).
وقال النووي -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- في "شرح مسلم": قال القاضي عياض: اختلف الناس في هذه المسألة، فقال مالك، وأبو حنيفة، والشافعيّ: القيام منسوخ، وقال أحمد، وإسحاق، وابن حبيب، وابن الماجشون: هو مخيّر. قال: واختلفوا في قيام من يشيّعها عند القبر، فقال جماعة من الصحابة والسلف: لا يقعد حتى توضع، قالوا: والنسخ إنما هو في قيام من مرّت به، وبهذا قال الأوزاعيّ، وأحمد، وإسحاق، ومحمد بن الحسن.
قال: واختلفوا في القيام على القبر حتى تدفن، فكرهه قوم، وعمل به آخرون، روي ذلك عن عثمان، وعليّ، وابن عمر، وغيرهم - رضي اللَّه عنهم -. هذا كلام القاضي.
قال النوويّ: والمشهور في مذهبنا أن القيام ليس مستحبّا، وقالوا: هو منسوخ بحديث عليّ، واختار المتولي من أصحابنا أنه مستحبّ، وهذا هو المختار، فيكون الأمر به للندب، والقعودُ بيانًا للجواز، ولا يصحّ دعوى النسخ في مثل هذا، لأن النسخ