قضى في السابق بأن يخالفه وإنما يعاقبه على خلافه لا على قضائه ولهذا يقتل القائل ولا يعتذر له بالقدر وإنما ردهم الرسول عن ملاحظة القدر إلى العمل لأن الأمر والنهي حال ظاهر والمقدر مكن ذلك أمر باطن وليس لنا أن نترك ما عرفناه من تكليف مالا نعلمه من المقضى وقول فكل ميسر لما خلق له إشارة إلى أسباب القدر فانه من قضى له بالعلم يسر له طلبه وحبه وفهمه ومن حكم له بالجهل نزع حب العلم من قلبه وكذلك من قضى له بولد يسر له النكاح ومن لم يقض له بولد لم ييسر له.
الشبهة الثانية: أنهم قالوا إن الله ﷿ مستغن عن أعمالنا غير متأثر بها معصية كانت أو طاعة فلا ينبغي أن نتعب أنفسنا في غير فائدة.
وجواب هذه الشبهة أن تجيب أولا بالجواب الأول ونقول هذا رد على الشرع فيما أمر به فكأنا قلنا للرسول وللمرسل لا فائدة فيما أمرتنا به ثم نتكلم عن الشبهة فنقول من يتوهم أن الله جل وعلا ينتفع بطاعة أو يتضرر بمعصية أو ينال بذلك غرضا فما عرف الله ﷻ لأنه مقدس عن الإعراض والأغراض ومن انتفاع أو ضرر وإنما نفع الأعمال تعود على أنفسنا كما قال ﷿: ﴿وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ﴾ وإنما يأمر الطبيب المريض بالحمية لمصلحة المريض لا لمصلحة الطبيب وكما أن للبدن مصالح من الأغذية ومضار فللنفس مصالح من العلم والجهل والاعتقاد والعمل فالشرع كالطبيب فهو أعرف بما يأمر به من المصالح هذا مذهب من علل وأكثر العلماء قالوا أفعاله لا تعلل وجواب آخر وهو أنه إذا كان غنيا عن أعمالنا كان غنيا عن معرفتنا له وقد أوجب علينا معرفته فكذلك أوجب طاعته فينبغي أن تنظر إلى أمره لا إلى الغرض بأمره (١).
الشبهة الثالثة: قالوا قد ثبت سعة رحمة الله ﷾ وهي لا تعجز عنا فلا وجه لحرمان نفوسنا مرادها.