شبهات فعملوا بمقتضاها والأصل الذي نشأت منه شبهاتهم أنهم لما هموا بالنظر في مذاهب الناس لبس عليهم إبليس فأراهم أن الشبهة تعارض الحجج وأن التمييز يعسر وأن المقصود أجل من أن ينال بالعلم وإنما الظفر به رزق يساق إلى العبد لا بالطلب فسد عليهم باب النجاة الذي هو طلب العلم فصاروا يبغضون اسم العلم كما يبغض الرافضي اسم أبي بكر وعمر ويقولون العلم حجاب والعلماء محجوبون عن المقصود بالعلم فإن أنكر عليم عالم قالوا لأتباعهم هذا موافق لنا في الباطن وإنما يظهر ضد ما نحن فيه للعوام الضعاف العقول فإن جد في خلافهم قالوا هذا أبله مقيد بقيود الشريعة محجوب عن المقصود ثم عملوا على شبهات وقعت لهم ولو فطنوا لعلموا أن عملهم بمقتضى شبهاتهم علم فقد بطل إنكارهم العلم وأنا أذكر شبهاتهم وأكشفها إن شاء الله تعالى وهي ست شبهات:
الشبهة الأولى: أنهم قالوا إذا كانت الأمور مقدرة في القدم وأن أقواما خصوا بالسعادة وأقواما بالشقاوة والسعيد لا يشقى والشقي لا يسعد والأعمال لا تراد لذاتها بل لاجتلاب السعادة ودفع الشقاوة وقد سبقنا وجود الأعمال فلا وجه لإتعاب النفس في عمل ولا نكفها عن ملذوذ لأن المكتوب في القدر واقع لا محالة.
والجواب عن هذه الشبهة أن يقال لهم هذا رد لجميع الشرائع وإبطال لجميع أحكام الكتب وتبكيت للأنبياء كلهم فيما جاءوا به لأنه إذا قال في القرآن أن أقيموا الصلاة قال القائل لماذا
إن كنت سعيدا فمصيري إلى السعادة وان كنت شقيا فمصيري إلى الشقاوة فما تنفعني إقامة الصلاة وكذلك إذا قال ولا تقربوا الزنا يقول القائل لماذا أمنع نفسي ملذوذها والسعادة والشقاوة مقضيتان قد فرغ منهما وكان لفرعون أن يقول لموسى حين قال له: ﴿هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى﴾ مثل هذا الكلام ثم يترقى إلى الخالق فيقول ما فائدة إرسالك الرسل وسيجري ما قدرته وما يفضي إلى رد الكتب وتجهيل الرسل محال باطل ولهذا كان رد الرسول ﷺ على أصحابه حين قالوا ألا نتكل فقال اعملوا فكل ميسر لما خلق له واعلم أن للآدمي كسبا هو اختياره فعليه يقع الثواب والعقاب فإذا خالف تبين لنا أن الله ﷿