صاحب الحافظ بمصر - وهو العزيز عثمان - ومعه كتب: أن الحنابلة يقولون كذا وكذا، مما يشنعون به ويفترونه عليهم. وكان ذلك الوقت قد خرج نحو الإسكندرية يتفرج، فقال: إذا رجعنا من هذه السفرة أخرجناك من بلادنا، من يقول بهذه المقالة؟ فلم يرجع إلا ميتا؛ فإنه عدا به الفرس خلف صيد، فشب به الفرس وسقط عليه، فخسف صدره. كذا حدثنى شيخنا يوسف بن الطفيل، وهو الذى تولى غسله، وأقام ولده موضعه، وأرسلوا إلى الأفضل بن صلاح الدين - وكان بصرخد - فجاء وأخذ مصر، وذهب إلى دمشق، فلقى الحافظ عبد الغنى فى الطريق، فأكرمه إكراما كثيرا وبعث يوصى به بمصر.
فلما وصل الحافظ إلى مصر، تلقّي بالبشر والإكرام، وأقام بها يسمع الحديث بمواضع منها، وبالقاهرة. وقد كان بمصر كثير من المخالفين، لكن كانت رائحة السلطان تمنعهم من أذى الحافظ لو أرادوه، ثم جاء الملك العادل، وأخذ مصر، وأكثر المخالفون عنده على الحافظ. وسمعت أن بعضهم بذل فى قتل الحافظ خمسة آلاف دينار. قال: وقرأت بخط الحافظ كتبه إلى دمشق: والملك العادل اجتمعت به، وما رأيت منه إلا الجميل، فأقبل عليّ وأكرمنى، وقام لى والتزمنى، ودعوت له. ثم قلت: عندنا قصور، فهو الذى يوجب التقصير، فقال: ما عندك لا تقصير ولا قصور، وذكر أمر السنة، فقال: ما عندك شئ يعاب فى أمر الدين ولا الدنيا، ولا بد للناس من حاسدين. وقد تقدم ذكر هيبة العادل له، واحترامه، وتعجب الناس من ذلك.
قال: ثم سافر العادل إلى دمشق، وبقى الحافظ بمصر، والمخالفون لا يتركون الكلام فيه، فلما أكثروا عزم الملك الكامل على إخراجه من مصر، واعتقل فى دار سبع ليال، فقال: ما وجدت راحة بمصر مثل تلك الليالى.
وقال: سمعت أبا العباس أحمد بن محمد بن عبد الغنى، يقول: حدثنى الشجاع بن أبى ذكرى الأمير، قال: قال لى الملك الكامل يوما: ههنا رجل