وقالا له: صنعة أو حرفة في اليد أمان من الفقر. ولم يكن في ذلك الوقت فقيرًا، ليسر أسرته ولله الحمد، لكن جده ووالده أرادا أن يكون بيده حرفة خشية تحول الأيام وتقلبها على الكرام، فتعلم حرفة الحِيَاكَة: النَّوْل اليدوي، ولم يكن هناك نول آلي، وأحسَن المعرفة بهذه الحرفة، وقد تعلمها أخواه عبد الكريم وعبد الغني من قَبله رحم الله الجميع، وكانت هذه الحرفة تُدِرُّ موردًا حسنًا يُفْرَح به، فتعلمها ﵀ وادَّخر بعض الليرات الذهبية العثمانية، فكانت له خاصة، ونفقته وعيشه متكفل به أبوه تمام التكفل رحم الله الجميع، وبقي في هذه الحرفة عاملًا ناجحًا لنحو سنتين أو ثلاث.
ثم بدا لجده ووالده أن يتعلم التجارة، فاختارا له أن يتعلم التجارة والبيع والشراء عند صديقَيْهما التاجر (عبد السلام قُدُّو) التاجر في سوق الطَّيْبية قرب باب الجامع الكبير الشمالي، فجلس عنده، وكان تاجرًا يبيع القمصان والملابس المصنوعة بالجملة والمُفَرَّق، وأمضى عنده نحو سنتين وزيادة عليها، وكان رجلًا دينًا مستقيمًا عفيفًا يشتري من عنده النساء والرجال، فاستملح وجود والدي عنده لصغر سِنِّه، فكان والدي ﵀ يراقب حال بعض المشترين أو المشتريات الذين يُخْشى أن تكون منهم أو منهن سرقة لما يستعرضنه للشراء.
ثم انتقل من عنده إلى تاجر آخر من أصدقاء جده ووالده وبعض أرحامه، وهو (الحاج حسن التّبَّان) رحم الله الجميع وأسكنهم فسيح الجنان، وكان تاجرًا بالجملة والمفرق في متجره في (سوق الجُوخ العَرِيض) من أسواق مدينة حلب المسقوفة.
فتعلم منه ما زاده معرفة بالتجارة وعرضها للمشتري من الرجال أو النساء، وبقي عنده ثلاث سنين، ثم رأى جده ووالده أن يستقل بالتجارة وقد قارب السادسة عشرة، فأدخلاه شريكًا في العمل دون المال مع التاجر (الحاج محمد دُنْيَا) الذي كان تاجرًا بسوق الزَّهْر المتفرع من شارع (بَانْقُوسَا)، فشاركه