للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيقبل المعلم حافر الفرس ثم يركبه ثم إن الرماحة ينزلون وهم سايقون من عند مدرسة السلطان حسن، ويشقوا من المدينة، وهم سائقون إلى عند باب النصر، ويكون مبتدأ طلوعهم من الصليبة، هذا كله وقت لعبهم عند الظهر، والمدينة مزينة بأحسن زينة، فإذا انته الرماحة إلى باب النصر يمضي كل أحد منهم إلى بيته، ثم من بعد ذلك يجيء المحمل وكسوة الكعبة الشريفة ومقام إبراهيم وبرقع الكعبة المزركش، وهم مزفوفون على الحمالين، فيأتوا بهم من مصر العتيقة من عند فندق الكارم، ويطلعون من الصليبة ويطوفون بهم في الرملة، ثم ينزلون ويطوفون بهم في المدينة إلى باب [٢١٥/ ١] النصر، كل ذلك والسلطان ينظر إليهم، فإذا انتهى المحمل إلى باب النصر، تهد الزينة ويمضي كل أحد إلى حال سبيله، وإنما ذكرنا هذه الواقعة في هذا التاريخ إلا لكون أن هذا الأمر قد بطل من الديار المصرية من أيام الملك الأشرف قايتباي، وكان من فرحات مصر المعدودة، ومن شعار المملكة على القاعدة القديمة، وقد كثرت أخبار ذلك لطول المدة، وكان يصرف على ذلك من الأموال جملة كثيرة من السلطان والأمراء الذين يسوقون في المحمل ولا سيما ما كان يعمل في تلك الأيام من المدات العظيمة، والمسايرات العجيبة، وقد بطل ذلك جميعه مع جملة ما بطل من شعائر مصر في هذه الأيام الخاوية (١)، وفي معنى ذلك يقول بعضهم من زجل:

في مصر فرسان أربعين في العدد … لدورة المحمل يسوقوا الجياد

وَرَُعبهم ساكن قلوب الملوك … يَرُدُو الخارج وأهل العناد

وَكانَ بهم سُلطان مَصَرٌ يفتخر … على ملوك الشرق لاقصى البلاد (٢)

وكانت أيام الملك الظاهر خُشقدم كلها لهو وانشراح، ولم يجئ في أيامه فصل (٣) ولا غلاء ولم يخرج في أيامه تجريدة إلى البلاد الشامية، ولم يكن من مساوئه غير مماليكه الأجلاب، وتشويشهم على الناس، وهو أخر من مشى على القاعدة القديمة من الملوك بمصر في ترتيب المواكب في القصر، وبيات الأمراء في القصر في الجمعة ليلتين ليلة الإثنين وليلة الخميس، والموكب عمال بشاش والقماش.


(١) الخبر ورد هنا مفصلا عما ورد في بدائع الزهور. (انظر: بدائع الزهور ٢/ ٤٥٦).
(٢) لم ترد تلك الأبيات في بدائع الزهور.
(٣) في جواهر السلوك ٣٤٥: "فضل".

<<  <   >  >>