للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكانت مُدّة سلطنته بالديار المصرية ست سنين وخمسة أشهر وعشرين يومًا (١) بما فيه من مدة توعكه وانقطاعه.

وكان ملكًا جليلًا مُهابا، عارفًا بأمور المملكة، ماشيًا في المملكة على طريقة الملوك السالفة في عمل المواكب بالقصر الكبير يوم وفاء النيل، ويكسر السد بنفسه، ويتوجه إلى المقياس في الذهبية، ويُخلق العامود بحضرته، وكان كثير الرمايات في بركة الحاج، وكان يلبس الصوف من المطعم، ويدخل إلى القاهرة من باب النصر في المواكب العظيمة، وتزين له في ذلك اليوم القاهرة.

وكان يدور المحمل في رابع عشر شهر رجب على العادة القديمة، وتزين لذلك القاهرة ثلاثة أيام، وتُنفق في هذه الأيام ما لا يُحصى من الأموال، ويخلع يوم تدوير المحمل على أرباب الوظائف من الأمراء والمتعممين، وفي ليلة تدوير المحمل يحرق السُلطان حِرَاقة نفط في الرملة، ويكون السلطان في تلك الليلة بايتًا في الخرجاه المطلة على الرملة، وتجتمع الناس للفرجة، وتكون ليلة مشهودة، وكان جماعة من فرسان المماليك السلطانية وعدتهم أربعون مملوكًا ولكل عشرة من المماليك باش، وكان المعلم يومئذ الأمير قايتباي المحمودي الظاهري شاد الشربخاناه الشريفة، فكانوا يلعبون بالرمح على النيل قبل تدوير المحمل بأربعين يومًا في القرافة الكبرى عند زاوية الشيخ أبي العباس الحرار، وكانوا يلعبون في الجمعة أربعة أيام السبت والأحد والثلاثاء والأربعاء، ويخرج إليهم الناسُ في تلك الأيام، بسبب الفرجة، وكانوا يلعبون الرمح وهم بالشاش والقماش نحو أربعين يومًا وهم على ذلك، ويأتون بأشياء غريبة في بنود اللعب بالرمح، وكانوا يوم تدوير المحمل يجتمعون في الرملة، ويسوقون هناك مرتين مرة عند طلوع الشمس، ومرة بعد الظهر، وهم لابسون الأحمر وعلى رؤوسهم خود (٢) وخيولهم لابسة آلة الحرب، فإذا فرغوا من اللعب ينزل الأربعون فارسًا على خُيُولهم، ويبوسون الأرض للسلطان، ثم من بعدهم ينزل الباشات الأربعة ويبوسون الأرض، ثم من بعدهم ينزل المعلم من على فرسه ويبوس الأرض للسلطان، وهو جالس في الخرجاه المطلة على الرملة، والأمراء حوله، فينعم على المعلم في ذلك اليوم بخلعة وفرس بسرج ذهب وكنبوش فينزلون به من باب السلسلة إلى الرملة،


(١) في بدائع الزهور ٢/ ٤٥٥: "واحد وعشرين يوما".
(٢) كذا في الأصل.

<<  <   >  >>