للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأتابكي منطاش لما كسر الظاهر برقوق أولا أسر الأمير قجماس ابن عم الملك الظاهر برقوق، وكان مجروحًا، فدخل منطاش إلى الشام ومعه الأمير قجماس، فاجتمع منطاش بالأمير جردَمر نائب الشام، وقال له: "قد كسرنا الظاهر برقوق وهرب، وأن الملك المنصور، أغدًا يدخل إلى دمشق، فأخرج أنت والعسكر الشامي لاقوه"، هذا ما كان من أمر منطاش.

وأما ما كان من أمر الملك الظاهر برقوق، فأنه لما وقعت الكسرة على الفرقين، فهرب الأمير كمُشبُغَا الحموي نائب حلب، وتوجه تحت الليل إلى حلب، وملك قلعتها وحصن المدينة.

وأما الملك الظاهر برقوق فأنه لما انكسر العسكرين ونهبا، وصار لا يُعلم الغالب من المغلوب، ولا الكاسر من المكسور، فبقى الملك الظاهر برقوق في نفر قليل نحو ثلاثين مملوكًا، فتوجه بهم من وراء جبل هناك، فرأى الملك المنصور، والخليفة المتوكل، والقضاة الأربعة، والخزائن السلطانية والصناجق، وبعض عسكر نازلين هناك تحت الجبل، فألقى الله تعالى الرعب في قلوب العسكر الذي كان مع الملك المنصور، وغلت أيدهم عن القتال، فنزل عليهم الظاهر برقوق واحتوى عليهم، وعلى كل ما (١) معهم، ثم تسامع العسكر بنصرة برقوق، فتراجعوا إليه من كلّ مكان، فبات هناك تلك الليلة.

فلما أصبح حضر إليه منطاش في عسكر الشام، وحضر معه خلق كثيرة من أعوام دمشق، فحصل بينهما وقعة عظيمة أعظم من الوقعة الأولى، وقتل فيها خلق كثير، واستمر القتال عمال من باكر النهار إلى بعد غروب الشمس، فانكسر الأتابكي منطاش والعسكر الشامي، ورجعوا مكسورين إلى دمشق، وقد قتل من الفريقين ما لا يُحصى عددهم من الترك والعوام، فكان حال الأتابكي منطاش، كما قال القائل في المعنى:

كل شيء إذا تَنَاهَا تواها … كانتقاص البدور عند التمام (٢)

ثم إن السلطان الملك الظاهر برقوق أقام بمنزلة شقحب، ثم إن شخصا من الزهاد، يُسمى الشيخ شمس الدين الصوفي (٣)، مشى بين السلطان برقوق وبين


(١) في الأصل "كلما".
(٢) بحر الخفيف؛ لم يرد في بدائع الزهور.
(٣) محمد بن إبراهيم بن أحمد الشيخ شمس الدين الصوفي، ناظر المارستان، ولد سنة تسع وأربعين واشتغل بالعلم، وأحب المذهب الظاهري والانتماء إلى الحديث، ثم اتصل بالملك الظاهر برقوق وقام معه لما عاد إلى السلطنة، فرعى له ذلك وولاه نظر المارستان. (انظر: إنباء الغمر بأبناء العمر ٣/ ٤٢٨).

<<  <   >  >>