للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصبر مثل اسمه في كل نائبة … لكن عواقبُهُ أحلى من العسلِ

فاصبر لها غير مُحْتَال ولا ضَجَر … في حَادِثِ الدَّهْرِ ما يُغني عن الحِيَل (١)

ثم إن الظاهر برقوق لما استقام أمره، حطم ودخل إلى دمشق، ونزل بالميدان الكبير، ودخلت إليه التقادم من خيول وقماش ومال وغير ذلك، فبينما هو على ذلك إذ قامت بدمشق عركة عظيمة، ورجموا الظاهر برقوق وأخرجوه من دمشق.

وسبب ذلك أن بعض المماليك عبث على بعض سوقة دمشق، وأخذ منه شيئًا بالغصب وضربه، فتعصبوا له أعوام دمشق، وضربوا ذلك المملوك، فحضروا إليه خشداشينه، وأرموا على أعوام دمشق بالنشاب، فرجمُوهم العوام بالحجارة والمقاليع، فانكسر المماليك، ونهبوا بركهم وقماشهم، فعند ذلك ركب برقوق والأمراء الذي (٢) معه وخرجوا إلى قُبة يَلبُغَا كما كانوا أولا، وقد نُهب أكثر ما معهم، وغلقت أبواب دمشق بعد أن كانوا فتحوهم وقصدوا أنْ يسلموه القلعة والمدينة فتعسر الأمر عليه بسبب هذه الحركة، كما قيل في الأمثال: "ومُعْظَمُ النَّار من مُسْتَصْغَرِ الشَّرر".

ثم إن الأمير منطاش أخذ في أسباب الخروج إلى قتال الظاهر برقوق، ورسم لمباشرين الأمراء المنفصلين بأن يجهزوا الأمراء المستحدّين، ثم إن الأتابكي منطاش رسم بأخذ أكاديش الجمارة وخيول الطواحين، ثم رسم لوالي القاهرة بأن ينادي بأن فقيه ولا متعمم يركب فرس، ثم إن الأتابكي منطاش رسم بمسك المماليك الجراكسة من كبير وصغير، فركب والي القاهرة ومسك منهم جماعة كثيرة من أسطبلاتهم، ثم إن الأتابكى منطاش رسم بأن يُسدّ باب حمام أيدغمش وَبَاب الفرج، فتفاءل الناس عليه بقلة النصر.

ثم إن السلطان الملك المنصور أمير حاج، علق الجاليش، ونفق على الأمراء المقدمين الألوف لكل واحد منهم مائة ألف درهم، ونفق على الأمراء الطبلخانات لكلّ واحد منهم خمسين ألف درهم، وعلى الأمراء العشراوات أربعين ألف درهم، ونفق علي الماليك السلطانية لكل واحد منهم ألف درهم.

ثم أشيع في القاهرة بأن الظاهر برقوق قد انكسر وهرب، ومسكوا جماعة من الأمراء ممن كان عُصبته، وأن رأس أينال اليوسفي قد قطعت، وهي واصلة


(١) بحر البسيط؛ لطغرائي السيد فخر أبو إسماعيل الحسين بن علي. (انظر: وفيات الأعيان، ٢/ ١٨٧).
(٢) كذا في الأصل، والصواب "الذين".

<<  <   >  >>