للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَقَامَ السلطان من المجلس وَهوَ مُرتابٌ، فطلع مماليك شيخُوا إلى القلعةِ وَهُمْ رَاكِبُون، ومعهم الأمير خليل بن قُوصُون، وَكانَ شيخُوا مُتزوجًا بأم الأمير خليل زوجة قُوصُون، فلما طلعوا إلى القلعة وجدوا في شيخُوا بعض رمق، فَحَمَلُوهُ على جنويّه، ونزلوا به إلى بيته من سُلّم المدرّج، وَمَماليكه مِنْ حوله، وَكَانُوا نحو تسعمائة مملوك.

فلما نزل إلى بيته أحضروا له مزين، فخيَّطَ جراحاته، وكان ذلك يوم الإثنين في العشرين من شعبان (١).

فَلَمَا بَاتَ تلك الليلة نَزِلَ لَهُ السلطان في يوم الثلاثاء إلى بيته، ونزل عن فرسهِ وَدَخلَ إلى مكان فيه شيخُوا، وسَلّم عليه، وَحَلف له أن الذي جرى لم يكن بعلمه، ولا له به خبر.

ثُمَ رَسم السلطان بإحضار قُطلو قُجاه الذي ضَربَ الأمير شيخُوا، فَسَأَلَهُ السلطان: "هَلْ أَمرَكَ أحد مِنَ الأمراء بذلك"، فقال قُطلو فجاه: "لا والله ما أمرني أحد من الناس بذلك، غير أني قدّمت للأمير شيخُوا قصة، بسبب إقطاع فأخرجه لشخص غيري، ففعلت ذلك من قهري منه"، فعند ذلك رسم السلطان بتسْمِيرِهِ فَسُمَّر عَلى جَملٍ، وَطافوا به في القاهرة، ثُم وَسَطُوهُ في الرملة.

واستمر شيخُوا ملازمًا للفرَاشِ، من شهر شعبان إلى أواخر ذي القعدة نحو من ثلاثة شهور ونصف، إلى أن مَاتَ في يوم الجمعة سادس عشرين ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وسبعمائة، فكثر عليه الحُزن والأسف، وكانت جنازته مشهودة، ونزل السلطان وصلى عليه في سبيلِ المُؤمني، وَدُفنَ فِي خَانِقَاتِهِ التي في الصليبة داخل القبة.

وكان شيخُوا منْ أجلِ الأمراء قدرًا، وَأَعظمهم معروفًا وَبَرًا، وَلَهُ بالقاهرة آثار وذكر، ومن أنشأه الجامع الأخضر (٢)، الذي بالقُرب من فم الخور، وله آثار كثيرة غير ذلك، واتفق يوم موته أن الأرض زُلزلَتْ زَلزلة خفيفة، وأمطرت السماء، وفي ذكر يَقُولُ بعضُ الشُّعراء:


(١) في بدائع الزهور ١/ ١/ ٥٦٢: "٢١ شعبان".
(٢) سمي بهذا الاسم لأن بابه وقبته فيهما نقوش وكتابات خضر.
(انظر: الخطط المقريزية ٤/ ١٣٤).

<<  <   >  >>