للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

أولى، فكيف وكانوا إذا ذكروا بين يديه الصفات يضحك تعجبًا منهم وتصديقًا؟، ولم يَعِبْهُم قط بما تعيب النفاةُ لأهل الإثبات"

أي قد عُلم أنه ذم أهل الكتاب على ما بدَّلوه وحرَّفوه، ومعلوم أن التوراة مملوءة من ذكر الصفات فلو كان هذا مما حُرِّف وبُدِّل لكان إنكار ذلك عليهم أولى، فكيف وكانوا إذا ذكروا بين يديه الصفات يعني يضحك ويتعجب منهم تصديقاً له.

ألم يأتي ذلك اليهودي إلى النبي وقال: يا محمد إن الله يُمسك السموات على أصبع، والجبال على أصبع والشجر على أصبع والخلائق على أصبع،، حتى بدت نواجذه.

فكان لم يعبهم قط على ما ذكروه في هذا، كما يعيب هؤلاء على أهل الإثبات، فعندما تُذكر هذه النصوص يقولون: مشبِّهة مجسِّمة حشوية، هكذا ينبزون أهل السنة بألفاظ التجسيم والتشبيه.

فالعيب وقع على اليهود لما وصفوا الله بالنقص، فقال تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾، لو كان في إثبات اليدين أو في إثبات الوجه أو في إثبات الأصابع نقص لنفاه الله ، فهل يُعقل أنه يَذُمُّ الواصفين له بالنقص، ثم في نفس الوقت يصف نفسه بالنقص؟، ألا يكون هذا تناقضاً؟، فكيف يظنُّ من يصف نفسه بوصف ثم يمدح نفسه بأمرٍ هو في حقه نقص كما زعم هؤلاء.

ففي أول الآية، ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا﴾، أليس هذا ذم لهم؟ ثم قال بعدها ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾، فكيف يذم الواصفين له بالنقص ثم يصف نفسه بالنقص لو كان في إثبات اليدين نقص، هل يُعقل هذا؟ فهذا لا يمكن أن يقبله عاقل.

وقوله: "والتوراة مملوءة من الصفات المطابقة للصفات المذكورة في القرآن والحديث، وليس فيها تصريح بالمعاد كما في القرآن. فإذا جاز أن نتأول الصفات التي اتفق عليها الكتابان، فتأويل المعاد الذي انفرد به أحدهما أولى، والثاني مما يعلم بالاضطرار من دين الرسول أنه باطل فالأول أولى بالبطلان".

أي أن التوراة مملوءة بذكر الصفات المطابقة للصفات المذكورة في القرآن والحديث، مع أن التوراة ليس فيها تصريح بالمعاد كما في القرآن، فإذا أجاز أن تتأوَّل الصفات التي اتفق عليها الكتابان، فتأويل المعاد الذي انفرد به أحدهما أولى.

والثاني: مما يُعلم بالاضطرار من دين الرسول أنه باطل، فالأوَّل أولى بالبطلان،

<<  <  ج: ص:  >  >>