وَالثَّانِي يَقَعُ فِيهِ التَّجَوُّزُ كَثِيرًا أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّهُمْ لَا يُطْلِقُونَ هَذَا الْكَلَامَ إلَّا لِجِنْسِ لَهُ " يَدٌ " حَقِيقَةً وَلَا يَقُولُونَ: " يَدُ " الْهَوَى وَلَا " يَدُ " الْمَاءِ فَهَبْ أَنَّ قَوْلَهُ: بِيَدِهِ الْمُلْكُ قَدْ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقُدْرَتِهِ لَكِنْ لَا يُتَجَوَّزُ بِذَلِكَ إلَّا لِمَنْ لَهُ يَدٌ حَقِيقَةً وَالْفَرْقُ بَيْنَ قَوْله تَعَالَى ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ وَقَوْلِهِ: ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾ مِنْ وَجْهَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا): أَنَّهُ هُنَا أَضَافَ الْفِعْلَ إلَيْهِ وَبَيَّنَ أَنَّهُ خَلَقَهُ بِيَدَيْهِ وَهُنَاكَ أَضَافَ الْفِعْلَ إلَى الْأَيْدِي.
(الثَّانِي): أَنَّ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ أَنَّهُمْ يَضَعُونَ اسْمَ الْجَمْعِ مَوْضِعَ التَّثْنِيَةِ إذَا أُمِنَ اللَّبْسُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ أَيْ: يَدَيْهِمَا وَقَوْلِهِ: ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ أَيْ: قَلْبَاكُمَا فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾.
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَكَثِيرَةٌ جِدًّا مِثْلُ:
• قَوْلِهِ ﷺ ﴿الْمُقْسِطُونَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وُلُّوا﴾ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
• وَقَوْلِهِ ﷺ ﴿يَمِينُ اللَّهِ مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ وَالْقِسْطُ بِيَدِهِ الْأُخْرَى يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ؛ وَالْبُخَارِيُّ فِيمَا أَظُنُّ.
• وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري ﵁ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ﴿تَكُونُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً يتكفؤها الْجَبَّارُ بِيَدِهِ كَمَا يَتَكَفَّأُ أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ خُبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ﴾.
• وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ يَحْكِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ﴿يَأْخُذُ الرَّبُّ ﷿ سَمَوَاتِهِ وَأَرْضَهُ بِيَدَيْهِ-وَجَعَلَ يَقْبِضُ يَدَيْهِ وَيَبْسُطُهُمَا -وَيَقُولُ: أَنَا الرَّحْمَنُ حَتَّى نَظَرْت إلَى الْمِنْبَرِ يَتَحَرَّك أَسْفَلَ مِنْهُ حَتَّى إنِّي أَقُولُ: أَسَاقِطٌ هُوَ بِرَسُولِ اللَّهِ؟﴾ - ﴿وَفِي رِوَايَةٍ-أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ قَالَ: يَقُولُ: أَنَا اللَّهُ أَنَا الْجَبَّارُ﴾ وَذَكَرَهُ.
• وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: ﴿قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقْبِضُ اللَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute