للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَأَنَّ ﴿يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ وَمَعْنَى بَسْطِهِمَا بَذْلُ الْجُودِ وَسَعَةُ الْعَطَاءِ؛ لِأَنَّ الْإِعْطَاءَ وَالْجُودَ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ بِبَسْطِ الْيَدِ وَمَدِّهَا؛ وَتَرْكُهُ يَكُونُ ضَمًّا لِلْيَدِ إلَى الْعُنُقِ صَارَ مِنْ الْحَقَائِقِ الْعُرْفِيَّةِ إذَا قِيلَ هُوَ مَبْسُوطُ الْيَدِ فُهِمَ مِنْهُ يَدٌ حَقِيقَةً وَكَانَ ظَاهِرُهُ الْجُودَ وَالْبُخْلَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾ وَيَقُولُونَ: فُلَانٌ جَعْدُ الْبَنَانِ وَسَبْطُ الْبَنَانِ.

فَالْقَائِلُ؛ إنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ يَدٌ مِنْ جِنْسِ أَيْدِي الْمَخْلُوقِينَ: وَأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ جَارِحَةً فَهَذَا حَقٌّ.

وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ يَدٌ زَائِدَةٌ عَلَى الصِّفَاتِ السَّبْعِ؛ فَهُوَ مُبْطِلٌ.

فَيَحْتَاجُ إلَى تِلْكَ الْمَقَامَاتِ الْأَرْبَعَةِ. أَمَّا

"الْأَوَّلُ " فَيَقُولُ: إنَّ الْيَدَ تَكُونُ بِمَعْنَى النِّعْمَةِ وَالْعَطِيَّةِ تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِاسْمِ سَبَبِهِ:

o كَمَا يُسَمَّى الْمَطَرُ وَالنَّبَاتُ سَمَاءً وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: لِفُلَانِ عِنْدَهُ أَيَادٍ.

o وَقَوْلُ أَبِي طَالِبٍ لَمَّا فَقَدَ النَّبِيَّ :

يَا رَبِّ رُدَّ رَاكِبِي مُحَمَّدًا … [اردده ربي] وَاصْطَنِعْ عِنْدِي يَدًا.

o وَقَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ لِأَبِي بَكْرٍ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ: لَوْلَا يَدٌ لَك عِنْدِي لَمْ أَجْزِك بِهَا لَأَجَبْتُك.

"الثاني" وَقَدْ تَكُونُ الْيَدُ بِمَعْنَى الْقُدْرَةِ تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِاسْمِ مُسَبِّبِهِ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ هِيَ تُحَرِّكُ الْيَدَ يَقُولُونَ: فُلَانٌ لَهُ يَدٌ فِي كَذَا وَكَذَا؛

o وَمِنْهُ قَوْلُ " زِيَادٍ " لِمُعَاوِيَةَ: إنِّي قَدْ أَمْسَكْت الْعِرَاقَ بِإِحْدَى يَدَيَّ وَيَدِي الْأُخْرَى فَارِغَةٌ يُرِيدُ نِصْفُ قُدْرَتِي ضَبْطُ أَمْرِ الْعِرَاقِ.

o وَمِنْهُ قَوْلُهُ: ﴿بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ وَالنِّكَاحُ كَلَامٌ يُقَالُ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُقْتَدِرٌ عَلَيْهِ.

"الثالث" وَقَدْ يَجْعَلُونَ إضَافَةَ الْفِعْلِ إلَيْهَا إضَافَةَ الْفِعْلِ إلَى الشَّخْصِ نَفْسِهِ لِأَنَّ غَالِبَ الْأَفْعَالِ لَمَّا كَانَتْ بِالْيَدِ جُعِلَ ذِكْرُ الْيَدِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ فُعِلَ بِنَفْسِهِ.

o قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ -إلَى قَوْلِهِ- ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ أَيْ: بِمَا قَدَّمْتُمْ؛ فَإِنَّ بَعْضَ مَا قَدَّمُوهُ كَلَامٌ تَكَلَّمُوا بِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>