للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مقالةٌ في اشتراط تحرِّي الطالب كتبَ المتقدِّمين بعد أن يتأهَّل لها

"إذا ثبت أنه لا بُدَّ من أخذ العِلم عن أهله؛ فلذلك طريقان:

أحدهما: المشافهة، وهي أنفع الطريقين وأسلمُهما …

الطريق الثاني: مطالعة كتب المصنِّفين ومُدوِّني الدواوين، وهو أيضًا نافع في بابه؛ بشرطين:

الأول: أن يحصُل له من فهم مقاصد ذلك العِلم المطلوب، ومعرفة اصطلاحات أهله؛ ما يتِمُّ له به النظر في الكتب، وذلك يحصل بالطريق الأول، ومن مشافهة العلماء، أو مما هو راجع إليه، وهو معنى قول من قال: "كان العِلم في صدور الرجال، ثم انتقل إلى الكتب، ومفاتحُه بأيدي الرجال"، والكتبُ وحدَها لا تُفيد الطالب منها شيئًا دون فتح العلماء، وهو مشاهَد مُعتاد.

والشرط الآخَر: أن يتحرَّى كتب المتقدِّمين من أهل العِلم المراد؛ فإنهم أقعدُ به من غيرهم من المتأخِّرين، وأصلُ ذلك التجربة والخَبَرُ.

أما التجربة؛ فهو أمرٌ مشاهَد في أيِّ عِلم كان، فالمتأخِّر لا يبلغ من الرسوخ في عِلم ما يبلُغه المتقدِّم، وحسبُك من ذلك أهل كلِّ عِلم عملي أو نظري؛ فأعمالُ المتقدِّمين في إصلاح دنياهم ودينهم على خلاف أعمال المتأخِّرين، وعلومُهم في التحقيق أقعدُ، فتحقُّقُ الصحابة بعلوم الشريعة ليس كتحقُّق التابعين، والتابعون ليسوا كتابعيهم، وهكذا إلى الآن، ومَن طالَع سِيَرَهم وأقوالَهم

<<  <   >  >>