للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مقالةٌ في أن الشارع قد يَمنع ممَّا تقتضي قواعد العربية جوازه

حكم ابن مالك على إيلاء لفظ "يَدَيْ" للفظ "لَبَّي" بالشذوذ (١)، "ورُوي في بعض الأحاديث عن النبيِّ أنَّه قال: "إذا دَعَا أَحَدُكُم أَخَاهُ فَقَالَ: لَبَّيْكَ، فلا يَقُولَنَّ: لَبَّى يَدَيْكَ، ولْيَقُلْ: أَجَابَكَ اللهُ بما تُحِبُّ" (٢)، وهذا ممَّا يُشعِر بأن عادة العرب إذا دعت فأُجِيبت بـ "لبيك" أن تقول: لَبَّي يَديك. فنهى عن هذا القول، وعوَّض منه كلامًا حسنًا … ، فعلى هذا ليس بمختصٍّ بالشِّعر.

[فـ] إضافة يَدَي لـ "لَبَّى" شاذٌّ، فيُعطِي أنَّه لا يقاس عليه، وهذا يُشكِل من جهتين:

إحداهما: جعلُه إياه من الشاذ، والشاذُّ هو - عنده - ما اختصَّ بالشِّعر، أو جاء في كلام نادر لم يكثُر، ولم يشتهر في الاستعمال.

وهذا ليس كذلك؛ لما تقدَّم آنفًا من دلالة الحديث على أنه كان مستعمَلًا عند العرب معهودًا، ولذلك نهى عنه ، ولو لم يشتهر عندهم لم يَنهَهُم عنه، وهذه عادتُه فيما اعتادُوه من الأقوال والأفعال المخالِفة للشرع.

وأيضًا فإن بيت "الكتاب" (٣) يُشعِر بذلك، فليس من الشاذ النادر، بل هو من الكثير المستعمل، لكن مختصٌّ باليدين، فكان من حقِّه أن يجعله قياسًا في


(١) في قوله في نظمه: وَشَذَّ إيلاءُ "يَدَيْ" لـ "لَبَّى". راجع: الألفية، بيت رقم ٣٨٩، ص ١١٩.
(٢) أخرجه أبو داود في: المراسيل ٤٧٣.
(٣) يقصد قول الشاعر من شواهد الكتاب ١/ ٣٥٢:
دَعَوتُ لَمَا نَابَنِي مِسْوَرًا … فَلَبَّى فَلَبَّى يَدَيْ مِسْوَرِ

<<  <   >  >>