للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من "الموافقات"؛ مما يجعل كلامه مغلَقًا أو مُلبِسًا بعض الشيء لا سيما في المواضع التي ليس لغيره كلامٌ فيها" (١).

استدراك آخَر:

علَّق محقِّق "الموافقات" - النشرة المغربية - على قول الشاطبي تعليقًا على قول الجَرْمي: "أنا منذ ثلاثين سنة أُفتِي الناس في الفقه من كتاب سيبويه": "فسَّروا ذلك بعد الاعتراف به بأنَّه كان صاحب حديث، وكتابُ سيبويه يُتعلَّم منه النظر والتفتيش" - بقوله:

"قلتُ: وهذا التأويل يبدو عليه شيء من التمحُّل والمبالغة والإغراق في الخيال؛ فإذا كان الجَرْمي يُفتي الناس منذ ثلاثين سنة، فهذه المدة فيها الكفاية وفوق الكفاية أن تشتهر فتاواه، وأن تشرِّق وتغرِّب وتدوَّن ويُتحدَّث بها في المجالس، وتسير بها الرُّكبان، ويكون لها تلاميذ يحملونها وينشرونها، ويدافعون عنها، ويردُّون على خصومها ومناوئيها، كما هو معهود في عامَّة المفتين من المذاهب الفقهية ممَّن شرَّقت فتاواهم وغرَّبت من فقهاء الأمصار الذين لم يفتوا إلَّا مقدار هذه المدة أو أقل منها، فأين فتاوى الجَرمي وأين دُوِّنت إن صحَّ أَنَّه كان يُفتي؟

بغض النظر عن كتاب سيبويه، أرى أنَّه لا ينبغي للإنسان الذي أكرمه الله بالتمييز أن يكون أسيرًا لمِثل هذه الحكايات التي لا أَزِمة لها ولا خُطم، ينقُلها من ينقُلها كأنها حقائق ثابتة، والتسليمُ بمضامينها فيه من الغفلة ما لا يرضاه الله لمَن أكرَمه بالتمييز" (٢).


(١) التداخل والتمايز المعرفي، ص ٣٤٢.
(٢) الموافقات ٥/ ٦١، هامش (١٢٠٦٩).

<<  <   >  >>