مقالةٌ في دفع ما جاء عن بعضهم من ذمِّ صنيع النحاة من نسبتهم العمل إلى الألفاظ
النحويون "ينسُبون العمل للألفاظ لتحقيق … الاصطلاح … ، وهو اصطلاح عامٌّ في كلام أهل هذه الصناعة لضبط القوانين، لا أنهم مدَّعُون لذلك حقيقةً؛ لأن الألفاظ لا ترفَع، ولا تنصِب، ولا تجُرُّ، وعلى هذا نبَّه ابن جني في "الخصائص" حين بيَّن أن مقاييس العربية معنوية في الغالب، ومثَّل ذلك بموانع الصَّرف، ثم قال: "ومِثله اعتبارك باب الفاعل والمفعول به بأن تقول: رفعتُ هذا بأنه فاعل، ونصبتُ هذا بأنه مفعول. فهذا اعتبارٌ معنويّ لا لفظيّ". قال: "ولأجله ما (١) كانت العوامل اللفظية راجعةً في الحقيقة إلى أنها معنوية؛ ألا تراك إذا قلتَ: ضرَب سعيدٌ جعفرًا؛ فإن "ضرب" لم تعمل في الحقيقة شيئًا، وهل تحصُل من قولك:"ضرب" إلا على اللفظ بالضاد والراء والباء على صورة فِعل، وهذا هو الصوت، والصوتُ مما لا يجوز أن يكون منسوبًا إليه الفعل.
وإنما قال النحويون: عاملٌ لفظيٌّ، وعاملٌّ معنويُّ؛ ليُرُوك أن بعض العمل يأتي مسبَّبًا عن لفظ يصحَبه، كـ: مررتُ بزيد و: ليتَ عمرًا قائمٌ. وبعضه يأتي عاريًا من مصاحبة لفظ يتعلَّق به، كـ: رفع المبتدأ بالابتداء، ورفع الفعل بوقوعه موقعَ الاسم. هذا ظاهر الأمر وعليه صفحة القول.
(١) قال الشيخ محمد على النجار في هامش التحقيق: ""ما" هنا زائدة".