للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

توقيرًا لكلام العرب وأشدُّ احتياطًا عليه ممن يغمِز عليهم بما هم منه بُرَآء.

اللهم إلا أن يكون في العرب مَن بعُد عن جمهرتهم، وبايَن بَحْبُوحَة أوطانهم، وقارَب مساكن العَجَم، أو ما أشبه ذلك ممن يُخالفِ العرب في بعض كلامها وأنحاءِ عباراتها، فيقولون: هذه لُغة ضعيفة، أو ما أشبه ذلك من العبارات الدالَّة على مرتبة تلك اللغة في اللغات؛ فهذا واجبٌ أن يُعرَّف به، وهو من جملة حفظ الشريعة والاحتياط لها، وإذا كان هذا قصدَهم، وعليه مدارُهم، فهم أحقُّ أن يُنسَب إليهم المعرفةُ بكلام العرب ومراتبه في الفصاحة، وما من ذلك الفصيح قياسٌ، وما ليس بقياس، ولا تضُرُّ العبارات إذا عُرِف الاصطلاح فيها" (١).

ومما يدخل تحت هذا الأصل، ويحسُن التنبيه عليه هو أن "ابن مالك في العربية ينحو نحوَ الظاهرية، ولا يُحكِّم القياس تحكيمَ غيره، فهذه طريقتُه" (٢)،


(١) المقاصد الشافية ٣/ ٤٥٦ - ٤٥٨. تنبيه وفائدة: وصف الشيخ محمد الخضر حسين، في: دراسات في العربية وتاريخها، ص ٣٣، ما ذهب إليه الشاطبي في كلامه هذا من أنه لا يُقاس على ما جاء في القرآن إذا خالَف غيرَه من كلام العرب الأكثر والأشهر - بأنه تقرير أوهى من بيت العنكبوت. ثم استدلَّ الشيخ على قوله هذا، وفي هذا الذي استدلَّ به نظر شديد؛ من جهة أن الذي قرَّره الشاطبي هو الموافق لأصول النظر في الصناعة النحوية، وأن ما استدلَّ به الشيخ من أن القياس على ما جاء في القرآن مطلقًا فيه مصلحة اللغة؛ لأن به تكثير أساليب القول الفصيحة التي تزيد بها طُرق بيان اللغة سعةً - قد يصح الأخذ به بعد استقرار قوانين العربية وتقنين اللغة، أما في مرحلة تأسيس الصناعة، فلا. وراجع في مناقشة الشيخ في هذا وغيره مما استدلَّ به في ردِّه على الشاطبي: أصول العربية، ص ٢٦٢ - ٢٧٠، وانظر في بيان عدم استقامة الأخذ بما ذهب إليه في مرحلة تأسيس الصناعة: التداخل والتمايز المعرفي، ص ٣٠٥.
(٢) المقاصد الشافية ٢/ ١٧١.

<<  <   >  >>