للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فـ "القرآن والسُّنة لما كانَا عربيَّين لم يكن لينظرُ فيهما إلا عربيٌّ، كما أن مَن لم يعرِف مقاصدهما لم يحِلَّ له أن يتكلَّم فيهما؛ إذ لا يصحُّ له نظرٌ حتى يكون عالمًا بهما، فإنه إذا كان كذلك؛ لم يختلف عليه شيءٌ من الشريعة" (١).

وبما أن "المجتهد نائب عن الشارع" (٢)، والشارع عربيُّ اللسان؛ كان لزامًا أن يكون المجتهد عربيَّ اللسان أيضًا، بمعنى أن يكون في فهمه للِّسان العربي يضاهي في الجملة فهم أهل اللسان (٣).

وعلى هذا "فإن كان ثَمَّ عِلمٌ لا يُحصَّل الاجتهاد في الشريعة إلا بالاجتهاد فيه، فهو لا بُدَّ مضطرٌ إليه؛ لأنه إذا فُرِض كذلك لم يمكن في العادة الوصول إلى درجة الاجتهاد دونه، فلا بُدَّ من تحصيله على تمامه، وهو ظاهر …

والأقربُ في العلوم إلى أن يكون هكذا عِلمُ اللغة العربية، ولا أعني بذلك النحو وحدَه، ولا التصريف وحدَه، ولا اللغة، ولا عِلمَ المعاني، ولا غيرَ ذلك من أنواع العلوم المتعلِّقة باللسان، بل المراد جملة عِلم اللسان ألفاظًا أو معاني كيف تُصُوِّرت، ما عدا الغريب، والتصريف المسمَّى بالفعل، وما يتعلَّق بالشِّعر من حيث هو الشِّعر كالعَرُوض والقافية؛ فإن هذا غيرُ مفتقَر إليه هنا، وإن كان العِلم به كمالًا في العلم بالعربية.

وبيانُ تعيَّن هذا العِلم … أن الشريعة عربية، وإذا كانت عربية؛ فلا يفهَمها حقَّ الفهم إلا من فهِم اللغة العربية حقَّ الفهم؛ لأنهما سيَّان في النمط ما عدا وجوهَ الإعجاز؛ فإذا فرَضْنا مبتدئًا في فهم العربية فهو مبتدئٌ في فهم الشريعة،


(١) الاعتصام ٣/ ٢١٣.
(٢) الموافقات ٥/ ١٧٩.
(٣) راجع: الموافقات ٥/ ٥٥.

<<  <   >  >>