للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المذكورة؛ فإنه رفعٌ لتوهُّم دخول المخصوص تحت عموم الصيغة في فهم السامع، وليس بمراد الدخول تحتها، وإلا كان التخصيص نسخًا؛ فإذًا لا فرق بين التخصيص بالمنفصل والتخصيص بالمتصل على ما فسَّرتَ؛ فكيف تُفرِّق بين ما ذكرتَ وبين ما يذكره الأصوليون؟

فالجواب: إن الفرق بينهما ظاهر، وذلك أن ما ذُكر هنا راجعٌ إلى بيان وضع الصِّيَغ العمومية في أصل الاستعمال العربي أو الشرعي، وما ذكره الأصوليون يرجع إلى بيان خروج الصيغة عن وضعها من العموم إلى الخصوص؛ فنحن بيَّنَّا أنه بيانٌ لوضع اللفظ، وهم قالوا: إنه بيانٌ لخروج اللفظ عن وضعه، وبينهما فرقٌ؛ فالتفسيرُ الواقع هنا نظيرُ البيان الذي سِيق عقب اللفظ المشترَك؛ ليِبيِّن المرادَ منه، والذي للأصوليين نظيرُ البيان الذي سِيق عقيب الحقيقة؛ لِيبيِّن أن المراد المجاز، كقولك: رأيتُ أسدًا يفترس الأبطال.

فإن قيل: أفيكون تأصيل أهل الأصول كلُّه باطلًا، أم لا؟ فإن كان باطلا، لزِم أن يكون ما أجمعوا عليه من ذلك خطأً، والأُمَّة لا تجتمع على الخطأ (١)، وإن كان صوابًا، وهو الذي يقتضيه إجماعهم، فكلُّ ما يُعارِضه خطأٌ، فإذا كلُّ ما تقدَّم بيانه خطأُ.

فالجواب: أن إجماعهم أولًا غير ثابت على شرطه، ولو سُلِّم أنه ثابت لم يلزَم منه إبطال ما تقدَّم؛ لأنهم إنما اعتبروا صِيَغ العموم بحسب ما تدلُّ عليه في الوضع الإفرادي، ولم يعتبروا حالة الوضع الاستعمالي، حتى إذا أخذوا في الاستدلال على الأحكام؛ رجعوا إلى اعتباره، كلٌّ على اعتبار رآه، أو تأويل


(١) علَّق الشيخ دراز على هذا الموضع بقوله: "أي: والأصوليون أُمَّة في فنهم".

<<  <   >  >>