قال: حدثنا سعيد (١)، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: "خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يخلف قوم تسبق شهادتهم أيمانهم، وأيمانهم شهادتهم ".
قال أبو عبيد: فالشهادة ها هنا قبل السؤال مذمومة، وهي في الأولى محمودة والحديثان كأنهما في الظاهر متضادان وليسا كذلك - إن شاء الله - فوجه حديث عبد الله الشهادة - فيما نرى - على أهل المعاصي من المسلمين بالنار، ولأهل الطاعة بالجنة، يبين ذلك قول إبراهيم وهو المحدث به عن عبيدة، عن عبد الله قال: فكنا ننهى عن الشهادة والعهد، ثم فسره في موضع آخر فقال: الشهادة بدعة.
قال أبو عبيدة: وقد يدخل هذا الحديث أيضا قول الرجل في منطقه: أشهد بالله لقد رأيت كذا، وأحلف بالله لقد رأيت كذا، فتكون شهادته قد ذهبت هدرا، ما سئلها، ولا قام بها حكم، ولا قضي بها حق. وأما الشهادة التي في حديث زيد بن خالد فهي - فيما نرى - كل شهادة لا يسع شاهدها كتمانها إذا ادعي ليقيمها من الحقوق الواجبة، فعلم أن ربها لا يشعر بمكانها عنده أعلمه ذلك، فهذا مثل الرجل يطلق امرأته ثلاثا، أو يعتق جاريته، ولا تشعر واحدة منهما به، ومثل الرجل يتزوج
(١) كذا في "الأصل". ويترجح عندي أنه مُصَحَّف من "شعبة"، فقد أخرجه مسلم (٢٥٣٣/ ٢١١)، وأحمد (١/ ٤٣٨) وغيرهما عن شعبة عن منصور به، وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (٤/ ١٥١ - ١٥٢) من طريق أبي عاصم عن شعبة به، ويؤكد ذلك أن سعيد بن أبي عروبة ليست له رواية عن شعبة في الكتب الستة، وقد رواه البخاري (٢٦٥٢ - ٣٦٥١) من طريقين آخرين عن منصور به، وانظر: "علل الدارقطني" (٥/ ١٤٩ - ١٥٠، ١٨٦ - ١٨٨).