دمشق من خير مدائن الشام" فهذه ثمانية أقسام للهجرة. اهـ طرح جـ ٢/ ص ٢٢.
وقال الحافظ بن رجب رحمه الله تعالى: وقوله - صلى الله عليه وسلم - "فمن كان هجرته" الخ، لما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الأعمال بحسب النيات، وأن حظ العامل من عمله نيته من خير أو شر، وهاتان الكلمتان جامعتان وقاعدتان كليتان لا يخرج عنهما شيء، ذكر بعد ذلك مثلا من الأمثال والأعمال التي صورتها واحدة ويختلف صلاحها وفسادها باختلاف النيات، وكأنه يقول: سائر الأعمال على حذو هذا المثال.
وأصل الهجرة: هجران بلد الشرك والانتقال منه إلى دار الإسلام، كما كان المهاجرون قبل فتح مكة يهاجرون منها إلى مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد هاجر من هاجر منهم قبل ذلك إلى أرض الحبشة إلى النجاشي، فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن الهجرة تختلف باختلاف المقاصد والنيات بها.
فمن هاجر إلى دار الإسلام حبا لله ورسوله، ورغبة في تعلم دين الإسلام وإظهار دينه حيث كان يعجز عنه في دار الشرك فهذا هو المهاجر إلى الله ورسوله حقا، وكفاه شرفا وفخرا أنه حصل له ما نواه من هجرته إلى الله ورسوله، ولهذا المعنى اقتصر في جواب هذا الشرط على إعادته بلفظه، لأن حصول ما نواه بهجرته نهاية الطلوب في الدنيا والآخرة، ومن كانت هجرته من دار الشرك إلى دار الإسلام ليطلب دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها في دار الإسلام فهجرته إلى ما هاجر إليه من ذلك، فالأول تاجر والثاني خاطب، وليس بواحد منهما مهاجر، وفي قوله "إلى ما هاجر إليه" تحقير لما طلبه من أمر الدنيا، واستهانة به حيث لم يذكر بلفظه، وأيضا أن الهجرة إلى الله ورسوله واحدة فلا تعدد فيها، فلذلك أعاد الجواب فيها بلفظ الشرط، والهجرة لأمور الدنيا لا تنحصر، فقد