للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قنت قبل الركوع غير عاصم الأحول؟ فقال: ما علمت أحدا يقوله غيره (١). قال أبو عبد الله: خالفهم عاصم كُلَّهُم، هشامٌ، عن قتادة، عن أنس، والتيميُّ، عن أبي مجلز، عن أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: قنت بعد الركوع، وأيوبُ عن محمَّد بن سيرين، قال: سألت أنسا، وحنظلةُ السدوسي، عن أنس، أربعة وجوه. وأما عاصم، فقال: قلت له؟ فقال: كذبوا، إنما قنت بعد الركوع شهرا، قيل له: من ذكره عن عاصم؟ قال: أبو معاوية وغيره. قيل لأبي عبد الله: وسائر الأحاديث أليس إنما هي بعد الركوع؟ فقال: بلى كلها عن خُفَاف بن إيماء بن رَحَضَة، وأبي هريرة. قلت لأبي عبد الله: فلم ترخص إذا في القنوت قبل الركوع، وإنما صح الحديث بعد الركوع؟ فقال: القنوت في الفجر بعد الركوع، وفي الوتر يُختار بعد الركوع، ومن قنت قبل الركوع، فلا بأس، لفعل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - واختلافهم، فأما في الفجر، فبعد الركوع.

فيقال: من العجب تعليل هذا الحديث الصحيح المتفق على صحته، ورواه أئمة ثقات أثبات حفاظ، والاحتجاج بمثل حديث أبي جعفر الرازي، وقيس بن الربيع، وعمرو بن أيوب، وعمرو بن عبيد، ودينار، وجابر الجعفي، وقك مَنْ تحمل مذهبا، وانتصر له في كل شيء إلا اضطرّ إلى هذا المسلك.

فنقول -وبالله التوفيق-: أحاديث أنس كلها صحاح، يصدق بعضها بعضا، ولا تتناقض، والقنوت الذي ذكره قبل الركوع غير القنوت الذي ذكره بعده، والذي وَقَّتَه غير الذي أطلقه، فالذي ذكره قبل الركوع هو إطالة القيام للقراءة، وهو الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أفضل الصلاة طول القنوت". والذي ذكره بعده، هو إطالة القيام للدعاء، فعله شهرا، يدعو على قوم، ويدعو لقوم، ثم استمرّ يُطيل هذا الركن للدعاء والثناء إلى أن فارق الدنيا، كما في "الصحيحين" عن ثابت، عن أنس، قال: إني لا أزال أصلي بكم كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بنا، قال: وكان أنس يصنع شيئا لم أركم تصنعونه، كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائما، حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع رأسه من السجدة يمكث حتى يقول القائل: قد نسي، فهذا هو القنوت الذي ما زال عليه حتى فارق الدنيا.


(١) لكن قال في "الفتح": قد وافق عاصما على روايته هذه عبد العزيز بن صهيب، عن أنس، كما عند البخاري في "المغازي"، ولفظه: "سأل رجل أنسا عن القنوت بعد الركوع، أو عند الفراغ من القراءة؟ قال: لا، بل عند الفراغ من القراءة". ومجموع ما جاء عن أنس من ذلك أن القنوت للحاجة بعد الركوع لا خلاف عنه في ذلك، وأما لغير الحاجة فالصحيح عنه أنه قبل الركوع، وقد
اختلف عمل الصحابة في ذلك، والظاهر أنه من الاختلاف المباح. انتهى "فتح " جـ ٢ ص ٥٦٩.