للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

النوازل، وهو الذي وقته بشهر، وهذا كما قنت في صلاة العتمة شهرا، كما في "الصحيحين" عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قنت في صلاة العتمة شهرا، يقول: "اللَّهم أنج عياش بن الوليد. . . الحديث (١).

فقنوته في الفجر كان هكذا لأجل أمر عارض ونازلة، ولذلك وقته أنس بشهر.

وقد روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قنت لهم أيضًا في الفجر شهرا، وكلاهما صحيح، وقد تقدم ذكر حديث عكرمة، عن ابن عباس: قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهرا متتابعا في الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والصبح. ورواه أبو داود وغيره، وهو حديث صحيح.

وقد ذكر الطبراني في "معجمه" من حديث محمَّد بن أنس، حدثنا مطرف بن طريف، عن أبي الجهم، عن البراء بن عازب، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يصلي صلاة مكتوبة، إلا قنت فيها (٢). قال الطبراني: لم يروه عن مطرف إلا محمَّد بن أنس. انتهى.

وهذا الإسناد، وإن كان لا تقوم به حجة، فالحديث صحيح من جهة المعنى، لأن القنوت هو الدعاء، ومعلوم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يصل صلاة مكتوبة إلا دعا فيها، كما تقدم، وهذا هو الذي أراده أنس في حديث أبي جعفر الرازي إن صح أنه لم يزل يقنت حتى فارق الدنيا، ونحن لا نشك، ولا نرتاب في صحة ذلك، وأن دعاءه استم رّ في الفجر إلى أن فارق الدنيا.

(الوجه الرابع): أن طرق أحاديث أنس تبيّن المراد، ويصدق بعضها بعضا، ولا نتناقض. وفي "الصحيحين" من حديث عاصم الأحول، قال: سألت أنس بن مالك عن القنوت في الصلاة؟ فقال: قد كان القنوت، فقلت: كان قبل الركوع، أو بعده؛ قال: قبله، قلت: وإن فلانا أخبرني عنك أنك قلت: قنت بعده، قال: كذب، إنما قلت: قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد الركوع شهرا.

وقد ظن طائفة أن هذا الحديث معلول، تفرد به عاصم، وسائر الرواة عن أنس خالفوه، فقالوا: عاصم ثقة جدًّا، غير أنه خالف أصحاب أنس في موضع القنوتين، والحافظ قد يهم، والجواد قد يعثر، وحكوا عن الإمام أحمد تعليله، فقال الأثرم: قلت لأبي عبد الله -يعني أحمد بن حنبل -أيقول أحد في حديث أنس: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -


(١) هو الحديث الآتي للمصنف بعد هذا.
(٢) قال أبو بكر الهيثمي رحمه الله في "مجمع الزوائد": رجاله موثقون.