يدل على أن ذلك شك من بعض الرواة لا من كلام الشارع: اقول الترمذي في روايته "أولاهن" أو قال "أخراهن بالتراب" فهذا يدل على أن بعض الرواة شك فيه، فيترجح حينئذ تعيين الأولى، ولها شاهد أيضا من رواية خلاس عن أبي رافع، عن أبي هريرة، كما سيأتي في الوجه الذي يليه، وإذا كان ذكر الأولى أرجح ففيه حجة لما ذكر أصحابنا (يعني الشافعية) من كون التتريب في المرة الأُولى أوْلي، وذكروا له معنى آخر، وهو أنه إذا قدم التتريب في الأولى فتناثر من بعض الغسلات رشاش إلى غير الموضع المتلوث بالنجاسة الكلبية لم يجب تتريبه بخلاف ما إذا أخر، فكان هذا أرفق، لكن حمله على الأولوية متقاصر عما دلت عليه الرواية "الصحيحة" فينبغي حمله على تعيين المرة الأولى والله أعلم. اهـ طرح جـ ٢/ ص ١٣١.
وقال الحافظ في التلخيص: وأجاب أصحابنا (يعني الشافعية) عنه (يعني حديث ابن مغفل "وعفروه الثامنة بالتراب") بأجوبة:
أحدها: قال البيهقي بأن أبا هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره، فروايته أولى، وهذا الجواب متعقب؛ لأن حديث عبد الله بن مغفل صحيح، قال ابن منده: إسناد مجمع على صحته، وهي زيادة
ثقة فيتعين المصير إليها، وقد ألزم الطحاويُّ الشافعيةَ بذلك.
ثانيها: قال الشافعي: هذا الحديث لم أقف على صحته، وهذا العذر لا ينفع أصحاب الشافعي الذين وقفوا على صحة الحديث، لا سيما مع وصيته.
ثالثها: يحتمل أن يكون جعلها الثامنة لأن التراب جنس غير جنس الماء، فجعل اجتماعهما في المرة الواحدة معدودا باثنين، وهذا جواب الماوردي وغيره.