وثانيها: إذا قام دليل على أحد أمرين، إما الوجوب، أو عدم الوجوب، فالواجب العمل به ما لم يعارضه ما هو أقوى منه، وهذا في باب النفي يجب التحرز فيه أكثر، فلينظر عند التعارض أقوى الدليلين، فيعمل به.
وعندنا أنه إذا استدل على عدم وجوب شيء بعد ذكره في الحديث، وجاءت صيغة الأمر به في حديث آخر، فالمقدم صيغة الأمر، وإن كان يمكن أن يقال: الحديث دليل على عدم الوجوب، وتحمل صيغة الأمر على الندب، لكن عندنا أن ذلك أقوى، لأن عدم الوجوب متوقف على مقدمة أخرى، وهو أن عدم الذكر في الرواية يدل على عدم الذكر في نفس الأمر، وهذه غير المقدمة التي قررناها، وهو أن عدم الذكر يدل على عدم الوجوب، لأن المراد ثَمَّةَ أن عدم الذكر في نفس الأمر من الرسول -صلى الله عليه وسلم- يدل على عدم الوجوب، فإنه موضع بيان، وعدم الذكر في نفس الأمر غير عدم الذكر في الرواية، وعدم الذكر في الرواية إنما يدل على عدم الذكر في نفس الأمر بطريق أن يقال: لو كان لذُكِرَ، أو بأن الأصل عدمه، وهذه المقدمة أضعف من دلالة الأمر على الوجوب.
وأيضًا فالحديث الذي فيه الأمر إثبات لزيادة، فيعمل بها.
وهذا البحث كله بناء على إعمال صيغة الأمر في الوجوب الذي هو ظاهر فيها، والمخالف يخرجها عن حقيقتها بدليل عدم الذكر، فيحتاج الناظر المحقق إلى الموازنة بين الظن المستفاد من عدم الذكر في الرواية،