يدور حيثما دار، ولا يلتفت إلى من خالفه، أيًا قدره ومنزلته من العلم، ولا يمنعه من ذلك تقليده لإمام من الأئمة المجتهدين، فإنهم يصيبون ويخطئون، ولكنهم مأجورون على خطئهم أجرًا واحدًا، كما أنهم يؤجرون على صوابهم أجرين، فإنهم ما خالفوا النص، إلا لعدم وصوله إليهم، أو بلغهم إلا أنه عن طريق لا يرتضونها، أو تأولوه على حسب ما ظهر لهم، فأخطئوا في تأويله، إلى غير ذلك من الأعذار التي تُبْرىء ساحتهم أن ينزل فيها لَوْم وتوبيخ. وأما هؤلاء الذين يقلدونهم في أخطائهم فليس لهم عذر، إلا أنهم يقولون: إن إمامهم أعلم من غيره، فلا ينبغي مخالفته، يا للعجب! هل إمامهم أعلم من الصحابة والتابعين، المخالفين له في تلك المسألة، القائلين بما وافق النص الصريح الصحيح؟! إن هذا لشيء عُجَاب!
عجيبة: مما اتفق لي أن مؤذنًا أذن للمغرب، فدخل رجل حنفي المسجد بعد الأذان، فجلس قبل أن يركع ركعتين، فقلت له: يا أخي لا تجلس، فإنك دخلت المسجد، فتوجه إليك شيئان: نهيه - صلى الله عليه وسلم - لمن دخل المسجد أن يجلس حتى يركع ركعتين، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا قبل المغرب … " الحديث، فرد علي بأن الصلاة قبل المغرب مكروهة في مذهبنا، فقلت له: إني كنت حنفيًّا مثلك، وقرأت من كتب الحنفية أصولًا وفروعًا كتبًا كثيرة، وفي ظني أنك ما قرأتها كلها، ولكني لما رأيت الأحاديث الصحاح مخالفة لبعض مسائلها -كمسألتنا هذه-