وقوله:"ثم أوفيكم إياها": الظاهر أن المراد توفيتها يوم القيامة، كما قَالَ تعالى:{وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} الآية [آل عمران: ١٨٥]. ويحتمل أن المراد يوفي عباده جزاء أعمالهم فِي الدنيا والآخرة، كما فِي قوله:{مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} الآية [النِّساء: ١٢٣]. وَقَدْ رُوي عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أنه فسر ذلك بأن المؤمنين يجازون بسيئاتهم فِي الدينا، وتدخر لهم حسناتهم فِي الآخرة، فيوفون أجورهم، وأما الكافر فإنه يعجل له فِي الدنيا ثواب حسناته، وتدخر له سيئاته فيعاقب بها فِي الآخرة.
وتوفية الأعمال: هي توفية جزاءها منْ خير أو شر، فالشر يجازى به مثله منْ غير زيادة، إلا أن يعفو الله عنه، والخير تضاعف الحسنة عنه بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، لا يعلم قدرها إلا الله، كما قَالَ تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (١٠) قُلْ} [الزمر: ١٠ - ١١].
وقوله:"فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه": إشارة إلى أن الخير كله فضل منْ الله عَلَى عبده، منْ غير استحقاق له، والشر كله منْ عند ابن آدم، منْ اتباع هوى نفسه، كما قَالَ عز وجل:{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} الآية [النِّساء: ٧٩]، وَقَالَ عَلَى رضي الله عنه: لا يرجو عبد إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه، فالله سبحانه إذا أراد توفيق عبد وهدايته أعانه، ووفقه لطاعته، فكان ذلك فضلا منه ورحمة، وإذا أراد خذلان عبد، وكله إلى نفسه، وخلى بينه وبينها، فأغواه الشيطان لغفلته عن ذكر الله، واتبع هواه، وكان أمره فرطا، وكان ذلك عدلا منه، فإن الحجة قائمة عَلَى العبد بإنزال الكتاب، وإرسال الرسول فما بقي لأحد منْ النَّاس عَلَى الله حجة بعد الرسل.
فقوله بعد هَذَا:"فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه"، إن كَانَ المراد منْ وجد ذلك فِي الدنيا، فإنه يكون حينئذ مأمورا بالحمد لله عَلَى ما وجده منْ جزاء الأعمال الصالحة، الذي عجل له فِي الدنيا، كما قَالَ: {مَنْ عَمِلَ