للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

يريد دونه منْ جهة السفل، وهو الظاهر، فيكون أطول، ويحتمل أن يريد دونه منْ جهة العلو، فيكون أقصر، ويؤيّد الأول ما فِي رواية الترمذيّ الحكيم منْ طريق أخرى عن ابن المبارك، عن يونس، عن الزهريّ، فِي هَذَا الْحَدِيث: "فمنهم منْ كَانَ قميصه إلى سرته، ومنهم منْ كَانَ قميصه إلى ركبته، ومنهم منْ كَانَ قميصه إلى أنصاف ساقيه". انتهى.

(وَعُرِضَ) بالبناء للمفعول (عَلَيَّ عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ) -رضي الله عنه- (وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ) جملة حالية منْ "عمر"، وقوله (يَجُرُّهُ) جملة فِي محلّ رفع صفة لـ"قميص" (قَالَ) أي بعض الصحابة، فالضمير المستتر راجع إلى مفهوم، وفي رواية البخاريّ: "قالوا"، وهي أوضح: أي قَالَ الصحابة الحاضرون عنده -صلى الله عليه وسلم- حينما حدّث برؤياه هذه. وفي رواية الترمذيّ الحكيم: "فَقَالَ له أبو بكر: عَلَى ما تأولت هَذَا يا رسول الله"، فتبين بهذه الرواية أن القائل هو أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه- (فَمَاذَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟) منْ التأويل، وهو فِي الأصل: تفسير ما يئول إليه الشيء، والمراد هنا: هو التعبير: أي بماذا عبّرت هذه الرؤيا (قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (الدِّينَ) بالنصب مفعول لمحذوف: أي أولته الدين، ويجوز رفعه، عَلَى أنه خبر لمحذوف: أي هو الدين، وفي رواية الترمذيّ الحكيم: "قَالَ: عَلَى الإيمان"، قاله فِي "الفتح" ١٤/ ٤٢٦ فِي "كتاب التعبير".

قيل: وجه تعبير القميص بالدين، أن القميص يستر العورة فِي الدنيا، والدين يسترها فِي الآخرة، ويحجبها عن كل مكروه، والأصل فيه قوله تعالى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} الآية [الأعراف: ٢٦]، والعرب تَكْنِي عن الفضل، والعفاف بالقميص، كما قَالَ شاعرهم:

ثِيَابُ بَنِي عَوْفٍ طَهَارَى نَقِيَّةٌ … وَأَوْجُهُهُم بِيض الْمَسَافِرِ غُرَّانُ

ومنه قوله -صلى الله عليه وسلم-، لعثمان -رضي الله عنه-: "إن الله سيُلبِسك قميصا، فإن أرادوا أن تخلعه، فلا تخلعه"، أخرجه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، وصححه ابن حبّان، فعبّر عن الخلافة بالقميص، وهي استعارة حسنة معروفة. واتفق أهل التعبير عَلَى أن القميص يُعَبَّر بالدين، وأن طوله يدلّ عَلَى بقاء آثار صاحبه منْ بعده.

وَقَالَ ابن العربي رحمه الله تعالى: إنما أوله النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بالدين؛ لأن الدين يستر عورة الجهل، كما يستر الثوب عورة البدن، قَالَ: وأما غير عمر، فالذي كَانَ يبلغ الثُّدِيّ هو الذي يستر قلبه عن الكفر، وإن كَانَ يتعاطى المعاصي، والذي كَانَ يبلغ أسفل منْ ذلك، وفرجه باد، هو الذي لم يستر رجليه عن المشي إلى المعصية، والذي يستر رجليه هو الذي احتجب بالتقوى منْ جميع الوجوه، والذي يجر قميصه، هو الذي يكون