للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

القياس. وأما منْ اتبع النص، وقاس عليه، فلا يحفظ عن أحد منْ أئمة السلف إنكار ذلك؛ لأن الحوادث فِي المعاملات لا تنقضي، وبالناس حاجة إلى معرفة الحكم، فمن ثَمَّ تواردوا عَلَى استحباب الاشتغال بذلك، بخلاف علم الكلام.

وأما ثانيا: فإن الدين كمل؛ لقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: ٣]، فإذا كَانَ أكمله وأتمه، وتلقاه الصحابة عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، واعتقده منْ تلقى عنهم، واطمأنت به نفوسهم، فأي حاجة بهم إلى تحكيم العقول، والرجوع إلى قضاياها، وجعلها أصلا، والنصوص الصحيحة الصريحة تُعرَض عليها، فتارة يُعمل بمضمونها، وتارة تحرف عن مواضعها؛ لتوافق العقول، وإذا كَانَ الدين قد كَمُل فلا تكون الزيادة فيه إلا نقصانا فِي المعنى، مثل زيادة أصبع فِي اليد، فإنها تنقص قيمة العبد الذي يقع به ذلك.

وَقَدْ توسط بعض المتكلمين، فَقَالَ: لا يكفي التقليد، بل لابد منْ دليل ينشرح به الصدر، وتحصل به الطمأنينة العلمية، ولا يشترط أن يكون بطريق الصناعة الكلامية، بل يكفي فِي حق كل أحد بحسب ما يقتضيه فهمه. انتهى.

والذي تقدم ذكره منْ تقليد النصوص، كاف فِي هَذَا القدر.

وَقَالَ بعضهم: المطلوب منْ كل أحد التصديق الجزميّ، الذي لا ريب معه بوجود الله تعالى، والإيمان برسله، وبما جاءوا به، كيفما حصل، وبأي طريق إليه يوصل، ولو كَانَ عن تقليد محض، إذا سلم منْ التزلزل.

وَقَالَ القرطبيّ: هَذَا الذي عليه أئمة الفتوى، ومن قبلهم منْ أئمة السلف، واحتج بعضهم بما تقدم منْ القول فِي أصل الفطرة، وبما تواتر عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ثم الصحابة أنهم حكموا بإسلام منْ أسلم منْ جفاة العرب، ممن كَانَ يعبد الأوثان، فقبلوا منهم الإقرار بالشهادتين، والتزام أحكام الإسلام، منْ غير إلزام بتعلم الأدلة، وإن كَانَ كثير منهم إنما أسلم لوجود دليلٍ ما، فأسلم بسبب وضوحه له، فالكثير منهم قد أسلموا طوعا منْ غير تقدم استدلال، بل بمجرد ما كَانَ عندهم منْ أخبار أهل الكتاب، بأن نبيا سيبعث، وينتصر عَلَى منْ خالفه، فلما ظهرت لهم العلامات فِي محمد -صلى الله عليه وسلم-، بادروا إلى الإسلام، وصدّقوه فِي كل شيء قاله، ودعاهم إليه، منْ الصلاة، والزكاة، وغيرهما، وكثير منهم كَانَ يؤذن له فِي الرجوع إلى معاشه، منْ رعاية الغنم وغيرها، وكانت أنوار النبوة وبركاتها تشملهم، فلا يزالون يزدادون إيمانا ويقينا.

وَقَالَ أبو المظفر ابن السمعاني أيضًا: ما مُلَخَّصه: إن العقل لا يوجب شيئا، ولا يحرم شيئا، ولا حظ له فِي شيء منْ ذلك، ولو لم يرد الشرع بحكم، ما وجب عَلَى