للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

المشتري عتق العبد، فهل يصح عَلَى روايتين: إحداهما: يصح، وهو مذهب مالك، وظاهر مذهب الشافعيّ؛ لأن عائشة رضي الله عنها، اشترت بريرة، وشَرَط أهلها عليها عتقها، وولاءها، فأنكر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- شرط الولاء، دون العتق. والثانية: الشرط فاسد، وهو مذهب أبي حنيفة؛ لأنه شرط ينافي مقتضى العقد؛ لأنه شرط عليه إزالة ملكه عنه، فأشبه ما لو شرط أن لا يبيعه، وليس فِي حديث عائشة، أنها شرطت لهم العتق، وإنما أخبرتهم بإرادتها لذلك منْ غير شرط، فاشترطوا الولاء.

[الضرب الثاني]: أن يشترط غير العتق، مثل أن يشترط أن لا يبيع، ولا يهب، ولا يُعتق، ولا يطأ، أو يشترط عليه أن يبيعه، أو يقفه، أو متى نفق المبيع، وإلا رده، أو إن غصبه غاصب رجع عليه بالثمن، وإن أعتقه فالولاء له، فهذه وما أشبهها شروط فاسدة، وهل يفسد بها البيع عَلَى روايتين:

قَالَ القاضي المنصوص عن أحمد: أن البيع صحيح، وهو ظاهر كلام الخرقي هاهنا، وهو قول الحسن، والشعبي، والنخعي، وابن أبي ليلى، وأبي ثور. والثانية: البيع فاسد، وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي؛ لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، نهى عن بيع وشرط، ولأنه شرط فاسد، فأفسد البيع، كما لو شرط فيه عقدا آخر، ولأن الشرط إذا فسد وجب الرجوع بما نقصه الشرط منْ الثمن، وذلك مجهول، فيصير الثمن مجهولا, ولأن البائع إنما رضي بزوال ملكه عن المبيع بشرطه، والمشتري كذلك، إذا كَانَ الشرط له، فلو صح البيع بدونه لزال ملكه بغير رضاه، والبيع منْ شرطه التراضي.

قَالَ: ولنا ما روت عائشة رضي الله تعالى عنها، قالت: جاءتني بريرة، فقالت: كاتبت أهلي عَلَى تسع أواق، فِي كل عام أوقية، فأعينيني، فقلت: إن أحب أهلك، أن أَعُدَّها لهم عَدَّةً واحدة، ويكون لي ولاؤك فعلت، فذهبت بريرة إلى أهلها، فقالت لهم: فأبوا عليها، فجاءت منْ عندهم، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس، فقالت: إني عرضت عليهم، فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم، فسمع النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فأخبرت عائشة النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: "خذيها، واشترطي الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق"، ففعلت عائشة، ثم قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فِي النَّاس، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قَالَ: "أما بعدما بال رجال، يشترطون شروطا ليست فِي كتاب الله، ما كَانَ منْ شرط ليس فِي كتاب الله، فهو باطل، وإن كَانَ مائة شرط، قضاء الله أحقّ, وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق"، متَّفقٌ عليه، فأبطل الشرط، ولم يبطل العقد، قَالَ ابن المنذر: خبر بريرة ثابت، ولا نعلم خبرا يعارضه، فالقول به يجب.

[فإن قيل]: المراد بقوله: "اشترطي لهم الولاء": أي عليهم، بدليل أنه أمرها به،