للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ونظيره مَن باع نخلا، قد أُبرت، واستثنى ثمرتها، والممتنع إنما هو استثناء شيء مجهول للبائع والمشتري، أما لو علماه معا، فلا مانع، فيحمل ما وقع فِي هذه القصة عَلَى ذلك.

وأغرب ابن حزم، فزعم أنه يؤخذ منْ الْحَدِيث أن البيع لم يتم؛ لأن البائع بعد عقد البيع، غير قبل التفرق، فلما قَالَ فِي آخره: "أتُراني ما كستك"، دَلّ عَلَى أنه كَانَ اختار ترك الأخذ، وإنما اشترط لجابر ركوب جمل نفسه، فليس فيه حجة، لمن أجاز الشرط فِي البيع. قَالَ الحافظ: ولا يخفى ما فِي هَذَا التأويل منْ التكلف.

وَقَالَ الإسماعيلي: قوله "ولك ظهره"، وَعْدٌ قام مقام الشرط؛ لأن وعده لا خلف فيه، وهبته لا رجوع فيها؛ لتنزيه الله تعالى له عن دناءة الأخلاق، فلذلك ساغ لبعض الرواة أن يعبر عنه بالشرط، ولا يلزم أن يجوز ذلك فِي حق غيره.

وحاصله أن الشرط لم يقع فِي نفس العقد، وإنما وقع سابقا، أو لاحقا، فتبرع بمنفعته أولا، كما تبرع برقبته أخرا.

ووقع فِي كلام القاضي أبي الطيب الطبري، منْ الشافعيّة: أن فِي بعض طرق هَذَا الخبر، فلما نقدني الثمن شرطت حُمْلاني إلى المدينة، واستُدل بها عَلَى أن الشرط تأخر عن العقد. قَالَ الحافظ: لكن لم أقف عَلَى الرواية المذكورة، وإن ثبتت، فيتعين تأويلها عَلَى أن معنى "نقدني الثمن": أي قرره لي، واتفقنا عَلَى تعيينه؛ لأن الروايات الصحيحة صريحة، فِي أن قبضه الثمن إنما كَانَ بالمدينة، وكذلك يتعين تأويل رواية الطحاوي: "أتبيعني جملك هَذَا؟ إذا قدمنا المدينة بدينار"، الْحَدِيث، فالمعنى: أتبيعنى بدينار أوفيكه، إذا قدمنا المدينة.

وَقَالَ المهلب: ينبغي تأويل ما وقع فِي بعض الروايات، منْ ذكر الشرط، عَلَى أنه شرط تفضل، لا شرط فِي أصل البيع؛ ليوافق رواية منْ رَوَى: "أفقرناك ظهره"، و"أعرتك ظهره"، وغير ذلك مما تقدم، قَالَ: ويؤيده أن القصة جرت كلها عَلَى وجه التفضل والرفق بجابر، ويؤيده أيضا قول جابر: "هو لك، قَالَ: لا، بل بعنيه"، فلم يقبل منه إلا بثمن؛ رفقا به، وسبق الإسماعيلي إلى نحو ذلك، وزعم أن النكتة فِي ذكر البيع، أنه -صلى الله عليه وسلم-، أراد أن يَبَرّ جابرا عَلَى وجه، لا يحصل لغيره طمع فِي مثله، فبايعه فِي جمله، عَلَى اسم البيع؛ ليتوفر عليه بره، ويبقى البعير قائما عَلَى ملكه، فيكون ذلك أهنأ لمعروفه، قَالَ: وعلى هَذَا المعنى أَمْرُهُ بلالا، أن يزيده عَلَى الثمن، زيادة مبهمة فِي الظاهر، فإنه قصد بذلك زيادة الإحسان إليه، منْ غير أن يحصل لغيره تأميل فِي نظير ذلك.