للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

"الأَطْعِمَة": قَالَ: فَأَكَلَ الأقِط، وَشَرِبَ اللَّبَن".

(فَقَالَ لَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحَرَامٌ الضَّبُّ؟) وفي الرواية التالية: "أحرامٌ هو؟ " (قالَ) صلّى الله تعالى عليه وسلم (لا) أي ليس الضبّ حرامًا، وليس تركي له؛ لحرمته (وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي) وفِي رِوَايَة يَزِيد بن الأصَمّ عند البخاريّ: "هَذَا لَحْم، لَمْ آكُلهُ قَط".

قَالَ ابْن الْعَرَبِي: اعْتَرَضَ بَعْض النَّاس، عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَة: "لَمْ يَكُنْ بِأرضِ قَوْمِي"، بِأَنَّ الضَّبَاب كَثِيرَة بِأَرْضِ الحِجَاز، قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: فَإِنْ كَانَ أَرَادَ تَكْذِيب الْخَبَر، فَقَدْ كَذَبَ هُوَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِأرْضِ الحِجَاز مِنْهَا شَيْء، أَو ذُكِرَت لَهُ بِغَيْرِ اسْمهَا، أَوْ حَدَثَت بَعْد ذَلِكَ، وَكَذَا أَنكَرَ ابْن عَبْد الْبَرّ، وَمَنْ تَبِعَهُ أَنْ يَكُون بِبِلَادِ الْحِجَاز شَيْء منْ الضِّبَاب.

قَالَ الحافظ: وَلا يُحْتَاج إِلَى شَيْء مِنْ هَذَا، بَلْ المُرَاد بِقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "بِأَرْضِ قَوْمِي"، قُرَيْش فَقَطْ، فَيَخْتَصّ النَّفْي بِمَكَّة وَمَا حَوْلهَا، وَلا يَمْنَع ذَلِكَ أنْ تَكُون مَوْجُودَة بِسَائِرِ بلاد الحِجَاز، وَقَد وَقَعَ فِي رِوَايَة يَزِيد بْن الأَصَمْ، عِنْد مُسْلِم: "دَعَانَا عَرُوس بِالْمَدِينَةِ، فَقَرَّبَ إِلَيْنَا ثَلَاثَة عَشَر ضَبًّا، فَآكِل، وَتَارِك … " الحديث، فَبِهَذَا يُدَلّ عَلَى كَثْرَة وِجْدَانَها بتِلْكَ الدِّيَار.

(فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ) -بِفتح الهمزة، وبعَيْن مُهْمَلَة، وَفَاء خَفِيفَة- أَي أَكَرَهُ أكله، يُقَال: عاف الطعام والشراب يَعَافهُ، منْ باب تعِبَ، عِيَافَة بالكسر: إذا كرهه. وَوَقَعَ فِي رِوَايَة سَعِيد بْن جُبَير الآتية: "وَتَرَكَ الضِّبَاب تقَذُّرًا لَهُنَّ، فَلَوْ كُنّ حَرَامًا، لَمَا أُكِلن عَلَى مَائِدَة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وَلَمَا أَمَرَ بِأكْلِهِنَّ"، كَذَا أَطلَقَ الأَمْر، وَكَأَنَّهُ تَلقَّاهُ منْ الإذْن المُسْتَفَاد منْ التَّقْرِير، فَإنَّهُ لَمْ يَقَع فِي شَيْء منْ طُرُق حَدِيث ابْن عَبَّاس، بِصِيغَةِ الأَمْر، إِلَّا فِي رِوَايَة يَزِيد بْن الأصَمّ، عِنْد مُسْلم، فَإنَّ فِيهَا: "فَقَالَ لَهُمْ: كُلُوا، فَأَكَلَ الْفَضْل، وخَالِد، وَالْمَرْأَة"، وَكَذَا فِي رِوَايَة الشَّعْبِيّ، عَنْ ابْن عُمَر: "فَقَالَ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-: كُلُوا، وَأَطْعِمُوا، فَإِنَّهُ حَلَال -أَو قَالَ: لَا بَأسَ بِهِ- وَلَكِنَّهُ لَيْسَ طَعَامِي"، وَفِي هَذَا كُله بَيَانُ سَبَب تَرْك النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-، وَأَنَّهُ بِسَبَب أَنَّهُ مَا اعتَادَهُ، وَقَدْ وَرَدَ لِذَلِكَ سَبَب آخَر، أَخْرَجَهُ مَالِك، مِنْ مُرْسَل سُلَيْمَان بْن يَسَاَر، فَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَفِي آخِره: "فَقَالَ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-: كُلا -يَعْني لِخَالِدٍ، وَابْن عَبَّاس- فَإِنَّنِي يَحْضُرنِي منْ الله حَاضِرَة". قَالَ الْمَازِرِيّ: يَعْنِي المَلَائِكَة، وَكَأنَّ لِلَّحْمِ الضَّبّ رِيحًا، فَتَرَكَ أَكْله؛ لأَجْلِ رِيحه، كَمَا تَرَكَ أَكْل الثُّوم، مَعَ كَوْنه حَلالاً. قَالَ الحافظ: وَهَذَا إِنْ صَحَّ، يُمْكِن ضَمُّهُ إِلَى الأَوَّل، وَيَكُون لِتَرْكِهِ الأكل منْ الضَّبّ سَبَبَانِ. انتهى.

(فَأَهْوَى خَالِدٌ) أي مال، ومدّ يده (إِلَى الضَّبِّ، فَأكَلَ مِنْهُ) وفي الرواية التالية: "قَالَ