الله بالأمير خيرا، جَعَلَ له وزير صدق، إن نسي ذكّره، وإن ذَكَرَ أعانه، وإذا أراد الله به غير ذلك، جعل له وزير سُوء، إن نسي لم يذكّره، وإن ذَكَر لم يُعِنه". والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث عائشة رضي الله تعالى عنها هَذَا صحيح.
[فإن قلت]: كيف يصحّ، وفي إسناده بقيّة بن الوليد، وهو مشهور بتدليس التسوية؟.
[قلت]: إنما صحّ؛ بمتابعة الوليد بن مسلم، عن زهير بن محمّد فِي رواية أبي داود المذكور، وأيضاً صرح بقيّة هنا بالتحديث عن شيخه.
[فإن قلت]: طريق أبي داود أيضاً فيها زهير بن محمّد، وهو متكلّم فيه، ولاسيّما فِي رواية الشاميين عنه، وهذا منها؟.
[قلت]: إنما صحّ الحديث بمجموع الطريقين؛ لأنهما، وإن طُعن فِي كلّ منهما بمفرده، إلا أن أحدهما يقوي الآخر، ونظائر هَذَا فِي الروايات كثيرة (١). والله تعالى أعلم.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -٣٣/ ٤٢٠٧ - وفي "الكبرى" ٣٧/ ٧٨٢٧ وفي "السير" ١٠٥/ ٨٧٥٢. وأخرجه أبو داود فِي "الخراج والإمارة، والفيء" ٢٩٣٢. والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): فِي فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان مشروعيّة اتخاذ الإِمام الوزير؛ ليستعين به عَلَى مهمات الإمارة. (ومنها): أن بعض الأمراء يريد الله به خيرًا، فيجعل له وزير صدق، إن ذكر أعانه، وإن نسي ذكّره، وهذا فضلٌ منْ الله تعالى، {وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (١٠٥)} [البقرة: ١٠٥]. (ومنها): أنه لا ينبغي للإمام أن يستبدّ برأيه، وينفرد بسياسة أمور رعيّته؛ لأن ذلك يضيّع حقوقًا كثيرة، بل عليه أن يستعين بالوزراء الذين يثق بدينهم، وأمانتهم، فإن الله سبحانه وتعالى أمر نبيّه صلّى الله تعالى عليه وسلم أن يشاور الصحابة رضي الله تعالى عنهم فِي أموره، فقال تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} الآية [آل عمران: ١٥٩]، فإن كَانَ صلّى الله تعالى
(١) راجع فِي هَذَا البحث "السلسلة الصحيحة" للشيخ الألباني رحمه الله تعالى ١/ ٨٠٢ رقم ٤٨٩.