وقع في بعض طرقه صريحًا:"وأنا ذو مال كثير". (ومنها): الحثّ على صلة الرحم، والإحسان إلى الأقارب، وأن صلة الأقرب أفضل من صلة الأبعد، والإنفاقِ في وجوه الخير. (ومنها): أن المباح إذا قُصد به وجه اللَّه تعالى صار طاعة، وقد نبّه على ذلك بأقلّ الحظوظ الدنيويّة العاديّة، وهو وضع اللقمة في في الزوجة، إذ لا يكون ذلك غالبًا إلا عند الملاعبة، والممازحة، ومع ذلك فيؤجر فاعله، إذا قصد به قصدًا صحيحًا، فكيف بما فوق ذلك. (ومنها): أن فيه منعَ نقل الميت من بلد إلى بلد، إذ لو كان ذلك مشروعًا لأمر النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بنقل سعد بن خوْلة - رضي اللَّه تعالى عنه -. قاله الخطابيّ. (ومنها): أن من لا وارث له تجوز له الوصيّة بما زاد على الثلث؛ لقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "أن تدع ورثتك أغنياء"، فمهومه أن من لا وارث له لا يبالي بالوصيّة بما زاد؛ لأنه لا يترك ورثته يخشى عليهم الفقر.
وتُعُقّب بأنه ليس تعليلاً محضًا، وإنما فيه تنبيه على الأحظّ الأنفع، ولو كان تعليلاً محضا لاقتضى جواز الوصيّة بأكثر من الثلث لمن كانت ورثته أغنياء، ولنفذ ذلك عليهم بغير إجازتهم، ولا قائل بذلك. وعلى تقدير أن يكون تعليلاً محضًا، فهو للنقص عن الثلث، لا للزيادة عليه، فكأنه لما شرع الإيصاء بالثلث، وأنه لا يُعترض به على الموصي إلا أن الانحطاط عنه أولى، ولا سيّما لمن ترك ورثة غير أغنياء، فنبّه سعدًا على ذلك.
(ومنها): أن فيه سدّ الذريعة؛ لقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "اللَّهم أمض لأصحابي هجرتهم، ولا تردّهم على أعقابهم"، لئلاً يتذرّع بالمرض أحدٌ لأجل حبّ الوطن. قاله ابن المنيّر. (ومنها): أن فيه تقييد مطلق القرآن بالسنّة؛ لأنه قال سبحانه وتعالى:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ}[النساء: ١١]، فأطلق، وقيّدت السنّة الوصيّة بالثلث. (ومنها): أن من ترك شيئًا للَّه لا ينبغي له الرجوع فيه، ولا في شيء منه مختارًا. (ومنها): التأسّف على فوت ما يُحَصِّل الثواب، وأن من فاته ذلك بادر إلى جبره بغير ذلك. (ومنها): تسلية من فاته أمرٌ من الأمور لتحصيل ما هو أعلى منه؛ لما أشار - صلى اللَّه عليه وسلم - لسعد من عمله الصالح بعد ذلك. (ومنها): الاستفسار عن المحتمل إذا احتمل وجوهًا؛ لأن سعداً لما مُنع من الوصيّة بجميع المال احتمل عنده المنع فيما دونه، والجواز، فاستفسر عما دون ذلك. (ومنها): النظر في مصالح الورثة، وأن خطاب الشرع للواحد يعمّ من كان بصفته من المكلّفين؛ لإطباق العلماء على الاحتجاج بحديث سعد هذا، وإن كان الخطاب إنما وقع له بصيغة الإفراد، ولقد أبعد من قال: إن ذلك يختصّ بسعد، ومن كان في مثل حاله ممن يخلف وارثّا ضعيفًا، أو كان ما يخلُفه قليلاً؛ لأن البنت من شأنها أن يطمع