للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الاستثناء وقع بعد النفي، فيدلّ على الحلّ فوق الثلاث على الزوج، لا على الوجوب. وأجيب بأن الوجوب استُفيد من دليل آخر، كالإجماع. ورُدّ بأن المنقول عن الحسن البصريّ أن الإحداد لا يجب. أخرجه ابن أبي شيبة، ونقل الخلّال بسنده عن أحمد، عن هُشيم، عن داود، عن الشعبيّ، أنه كان لا يعرف الإحداد. قال أحمد: ما كان بالعراق أشدّ تبحّرًا من هذين -يعني الحسن والشعبيّ- قال: وخفي ذلك عليهما انتهى. ومخالفتهما لا تقدح في الاحتجاج، وإن كان فيها ردّ على من ادّعى الإجماع، وفي أثر الشعبيّ تعقّبٌ على ابن المنذر، حيث نفى الخلاف في المسألة، إلا عن الحسن.

وأيضًا فحديث التي شكت عينها -وهي ثالث أحاديث الباب- دالّ على الوجوب، وإلا لم يمنع التداوي المباح.

وأجيب أيضًا بأن السياق يدلّ على الوجوب، فإن كلّ ما منع منه إذا دلّ دليلٌ على جوازه كان ذلك الدليل دالًّا بعينه على الوجوب، كالختان، والزيادة على الركوع في الكسوف، ونحو ذلك. قاله في "الفتح" (١).

(لِامْرَأَةٍ) تمسّك بمفهومه الحنفيّة، فقالوا: لا يجب الإحداد على الصغيرة، وذهب الجمهور إلى وجوب الإحداد عليها، كما تجب العدّة، وأجابوا عن التقييد بالمرأة أنه خرج مخرج الغالب، وعن كونها غير مكلّفة لأن الولي هو المخاطب بمنعها مما تمنع منه المعتدّة، ودخل في عموم قوله: "امرأة" المدخول بها، وغير المدخول بها حرّة كانت، أو أمة، ولو كانت مبعضة، أو مكاتبة، أو أم ولد إذا تُوُفّي عنها زوجها، سيّدها لتقييده في الخبر، خلافًا للحنفية (تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) هذا محلّ الاستدلال للمصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ- تعالى على ما ترجم له، وهو ترك الزينة للَحادّة المسلمة، دون اليهوديّة والنصرانيّة، وبه قال الحنفيّة، وبعض المالكيّة، وأبو ثور؛ وذلك لتقييده بالإيمان، وأجاب الجمهور بأنه ذكر تأكيدًا للمبالغة في الزجر، فلا مفهوم له، كما يقال: هذا طريق المسلمين، وقد يسلكه غيرهم. وأيضًا فالإحداد من حقّ الزوج، وهو ملتحق بالعدة في حفظ النسب، فتدخل الكافرة في ذلك بالمعنى كما دخل الكافر في النهي عن السوم على سوم أخيه، ولأنه حقّ للزوجية، فأشبه النفقة والسكنى، ونقل السبكي في فتاويه عن بعضهم أن الذميّة داخلة في قوله: "تؤمن باللَّه، واليوم الآخر"، وردّ على قائله، وبين فساد شبهته، فأجاد. وقال النوويّ: قيد بوصف الإيمان؛ لأن الْمتّصف به هو الذي ينقاد للشرع، قال ابن دقيق العيد: والأول أولى. وفي رواية عند المالكيّة أن الذّميّة المتوفّى عنها تعتدّ بالأقراء. قال ابن العربيّ: هو قول من قال: لا إحداد عليها (٢).


(١) "فتح" ١٠/ ٦٠٩.
(٢) "فتح" ١٠/ ٦٠٩.