قال النوويّ. قال العلماء: أم شريك هذه قرشيّةٌ عامريّةٌ. وقيل: إنها أنصاريّةٌ. وقد ذكر مسلم في آخر الكتاب في حديث الجسّاسة: أنها أنصاريّة، واسمها غُزَيّة. وقيل: غُزيلة- بغين معجمة مضمومة، ثم زاي فيهما- وهي بنت داود بن عوف بن عمرو بن عامر بن رواحة بن حُجير بن عبد بن معيص بن عامر بن لُؤيّ بن غالب. وقيل في نسبها: غير هذا. قيل: إنها التي وهبت نفسها للنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -. وقيل: غيرها.
ومعنى هذا الحديث: أن الصحابة - رضي اللَّه عنهم - كانوا يزورون أم شريك، ويُكثرون التردد إليها لصلاحها، فرأى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أن على فاطمة من الاعتداد عندها حرجًا، من حيث إنه يلزمها التحفّظ من نظرهم إليها، ونظرها إليهم، وانكشاف شيء منها، وفي التحفّظ من هذا مع كثرة دخولهم، وترددهم مشقّةٌ ظاهرةٌ، فأمرها بالاعتداد عند ابن أم مكتوم؛ لأنه لا يُبصرها، ولا يتردد إلى بيته من يتردّد إلى بيت أمّ شريك انتهى (١).
(فَكُنْتُ أَضَعُ ثِيَابِي عِنْدَهُ) أي للأمن من نظره إليها. والمراد: أنها اعتدّت عنده، فكانت تضع ثيابها عنده إذا أردت أن تتكشّف لبعض حاجتها؛ لأنه أعمى لا يراها، كما بين لها ذلك النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - حين أمرها بالانتقال من بين أم شريك إلى بيته (حَتَّى أَنْكَحَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -)"حتى" غاية للزومها بيت ابن أم مكتوم، أي لبثت عنده إلى أن انقضت عدّتها، فزوّجها - صلى اللَّه عليه وسلم - (أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ) بن حارثة بن شَراحيل الكلبيّ، حِبَّهُ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وابن حِبّه الأمير الصحابيّ المشهور، مات - رضي اللَّه عنه - بالمدينة سنة (٥٤)، وهو ابن (٧٥) سنة، تقدّمت ترجمته في -٩٦/ ١٢٠.
وكان تزويجها به بعد أن تقدّم إليها الْخُطّاب، ففي رواية الشعبي، عن فاطمة ١٩/ ٣٢٣٨ - قالت: خطبني عبد الرحمن بن عوف في نفر من أصحاب النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وخطبني رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - على مولاه أسامة بن زيد، وقد كنت حُدِّثتُ أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: من أحبنِي، فليُحبّ أسامة، فلما كلّمني رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، قلت: أمري بيدك، فأنكحني من شئتَ … "
وفي رواية أبي سلمة، ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عنها -٢١/ ٣٢٤٥ - قالت: فلما حللت آذنته، فقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "ومن خطبك؟ "، فقلت: معاوية، ورجل آخر من قريش، فقال النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "أما معاوية فإنه غلام من غلمان قريش، لا شيء له، وأما الآخر، فإنه صاحب شرّ، لا خير فيه، ولكن انكحي أسامة بن زيد"، قالت. فكرهته، فقال لها ذلك ثلاث مرّات، فنكحتْه.
وفي رواية أبي سلمة، عنها -٢٢/ ٣٢٤٥ - قالت: فلما حللتُ ذكرت له أن معاوية