"فانطلق خالد بن الوليد - رضي اللَّه عنه - في نفر من بني مخزوم، إلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - في بيت ميمونة، فقالوا: إن أبا حفص بن عمرو طلّق امرأته ثلاثًا، فهل لها نفقة؟ فقال: "ليس لها نفقة، ولا سكنى".
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ويجمع بين الروايتين بأن فاطمة ذهبت مع خالد والنفر الذين معه، فسأل لها خالد. واللَّه تعالى أعلم.
(قَالَتْ: فَاطِمَةُ: فَأَيْنَ أَنْتَقِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ) أي إذا لم يكن لي سكنى، ففي أيّ بيت أعتدّ؟ (قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (انْتَقِلي عِنْدَ ابْنِ أُمّ مَكْتُوم الْأَعْمَى) هو عمرو بن زائدة، أو ابن قيس بن زائدة. ويقال: زياد القرشيّ العامريّ الصحابيّ المشهور، قديم الإسلام. ويقال: اسمه عبد اللَّه. ويقال: الحصين، كان النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - استخلفه على المدينة، مات - رضي اللَّه عنه - في آخر خلافة عمر - رضي اللَّه عنه -.تقدّمت ترجمته في -٩/ ٦٣٧ (الّذِي سَمَّاهُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي كِتَابِهِ) حيث أنزل فيه قوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} الآيات. وفي رواية شعيب، عن الزهريّ -٧٢/ ٣٥٥٣ - وهو الأعمى الذي عاتبه اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- في كتابه". وضمير "عاتبه" للنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - (قَالَتْ: فَاطِمَةُ) - رضي اللَّه تعالى عنها - (فَاعْتَدَدتُ عِنْدَهُ) أي عند ابن أم مكتوم - رضي اللَّه عنه - (وَكَانَ رَجُلاً قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ) هذا هو السبب الذي ذكره النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - في أمرها بالاعتداد عنده، بعد أن أمرها أن تعتدّ في بيت أم شريك - رضي اللَّه تعالى عنها -، ففي رواية أبي سلمة الآتية -٢٢/ ٣٢٤٦ - :"فأمرها أن تعتدّ في بيت أم شريك، ثم قال: تلك امرأة يغشاها أصحابي، فاعتدي عند ابن أم مكتوم، فإنه رجلٌ أعمى تضعين ثيابك … ".
وفي الرواية الآتية-١٩/ ٣٢٣٨ - من طريق الشعبيّ، عنها:"فانطلقي إلى أم شريك" - وأم شريك امرأة غنيّةٌ، من الأنصار، عظيمة النفقة في سبيل اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، ينزل عليها الضِّيفَان- فقلت: سأفعل، قال:"لا تفعلي، فإن أمّ شريك كثيرة الضيفان، فإني أكره أن يسقط عنك خمارك، أو ينكشف الثوب عن ساقيك، فيرى القوم منك بعض ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمّك (١)، عبد اللَّه بن عمر وابن أم مكتوم"، وهو رجلٌ من بني فهر، فانتقلت إليه.
وفي رواية لمسلم:"أرسل إليها أن أم شريك يأتيها المهاجرون الأولون، فانطلقي إلى ابن أم مكتوم الأعمى، فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك … ".
(١) - زاد في رواية لمسلم: "رجل من بني فهر، من البطن الذي هي منه. واعترض على هذا القرطبيّ، فقال: والمعروف خلاف هذا، وليسا من بطن واحد، هي من بني محارب بن فهر، وهو من بني عامر بن لؤي انتهى. "المفهم" ٤/ ٢٧٠.