للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عن أبيه ما يدلّ على أن أبا سعيد راوي الحديث خوطب بشيء من ذلك.، ففي حديثه: سرحتني أمي إلى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - يعني لأسأله من حاجة شديدة، فأتيته، وقعدت، فاستقبلني، فقال: "من استغنى أغناه اللَّه … " الحديث، وزاد فيه: "ومن سأل، وله أوقيّةٌ، فقد ألحف"، فقلت: ناقتي خير من أوقية، فرجعت، ولم أسأله (١).

واعترضه العينيّ بأنه ليس فيه شيء يدلّ على كونه مع الأنصار في حالة سؤالهم النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -.

وعند الطبرانيّ من حديث حكيم بن حزام أنه ممن خوطب ببعض ذلك، ولكنّه ليس أنصاريًّا، إلا بالمعنى الأعمّ (٢).

(سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -) أي شيئًا من المال (فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ، فَأَعْطَاهُمْ) بتكرير السؤال، والإعطاء مرّتين (حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا عِنْدَهُ) بكسر الفاء، وإهمال الدال، من باب تَعِبَ، نَفَادًا: أي فَنِيَ، وانقطع (قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (مَا يَكُونُ) "ما" موصولة، لا شرطيّة، وإلا لجُزِم "يكون". وفي رواية مسلم: "ما يكن عندي" بالجزم، وعليه فـ "ما" شرطيّة، وعلى كلّ فهي مبتدأ (عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ) أي كلّ شيء، من مال، موجودِ عندي (فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ) بتشديد الدال المهملة، بعدها خاء معجمة، أي لن أحبسه، وأخبأه، وأمنعكم إياه منفردًا به عنكم، أو لن أجعله ذخيرةً لغيركم، مُعْرِضًا عنكم.

والجمة خبر "ما"، ودخلت الفاء في الخبر؛ لتضمّن المبتدإ معنى الشرط، أي لن أحبسه عنكم، ولا أنفرد به دونكم (وَمَنْ يَسْتَغفِفْ) "من " هنا شرطيّة، ولذا جُزم الفعلان بعدها، و"يستعفف" بفاءين، وكذا عند البخاريّ في رواية الكشميهني، ومسلم، ووقع عند البخاريّ في رواية الحمويّ، والمستملي "يستعفّ" بفاء واحدة مشدّدة ".والمعنى: من يَطلُب من نفسه العفّة عن السؤال. قال الطيبيّ: أو يطلب العفّة من اللَّه تعالى، فليست السين لمجرّد التأكيد. وقال الجزريّ: الاستعفاف طلب العَفَاف، والتعفّف، وهو الكفّ من الحرام، والسؤال من الناس، أي مَن طلب العفّة، وتكلّفها أعطاه اللَّه إياها. وقيل: الاستعفاف الصبر، والنزاهة عن الشيء، يقال: عفّ يعِفّ عِفّةً، فهو عفيف انتهى (يُعِفَّهُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-) بضمّ التحتانيّة، وكسر المهملة، وتشديد الفاء المفتوحة للتخلّص من التقاء الساكنين، إذ هو مجزوم على أنه جواب الشرط، ويجوز ضم فائه إتباعًا لضم الهاء.

والمعنى: يرزقه اللَّه تعالى العفّة، أي الكفّ عن السؤال والحرام. وقال القاري:


(١) - حديث أبي سعيد هذا سيأتي للمصنّف في ٨٩/ ٢٥٩٥.
(٢) - راجع "الفتح" ج ٤ ص ٩٨.