هي التي لحِقَت به - صلى اللَّه عليه وسلم - قبلهنّ، لا سودة - رضي اللَّه تعالى عنها -، ففي هذه الرواية وَهَمٌ من بعض الرواة، وأصل الكلام:"فكانت سودة أطولهنّ يدًا، وكانت زينب أسرعهنّ به لحوقًا، وكان ذلك من كثرة الصدقة"، ففيه تقديمٌ، وتأخير، وحذفٌ، وسيأتي تمام البحث فيه في المسألة الرابعة، إن شاء اللَّه تعالى.
(فَكَانَتْ أَطوَلَهُنَّ يَدًا، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ كَثْرَةِ الصَّدقَةِ) يعني أن مراد النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بقوله:"أطولكنّ يدًا" كثرة الصدقة، لا طول الجارحة.
قال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: معناه: فهِمن ابتداءً ظاهره، فلما ماتت زينب، علمن أنه لم يُرد باليد العضو، وبالطول طولها، بل أراد العطاء، وكثرته، فاليد هنا استعارة للصدقة، والطولُ ترشيح انتهى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث عائشة - رضي اللَّه عنها -كما هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا-٥٩/ ٢٥٤١ - وفي "الكبرى" ٦١/ ٢٣٢١. وأخرجه (خ) في "الزكاة" ١٤٢٠ (م) في "فضائل الصحابة" ٢٤٥٢ (أحمد) في "باقي مسند الأنصار" ٢٤٣٧٨.
واللَّه تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان فضل الصدقة (ومنها): أن فيه عَلَمًا من أعلام النبوّة، حيث أخبر النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بأوّل من يموت من أزواجه - رضي اللَّه عنهن -, فكان كما قال (ومنها): أن فيه جوازَ إطلاق اللفظ المشترك بين الحقيقة والمجاز بغير قرينة، وهو لفظ "أطولكنّ"، إذا لم يكن هناك محذور. قال الزين ابن المنيّر: لما كان السؤال عن آجال مقدّرة، لا تُعلم إلا بالوحي، أجابهنّ بلفظ غير صريحٍ، وأحالهنّ على ما لا يتبيّن إلا بآخره، وساغ ذلك؛ لكونه ليس من الأحكام التكليفيّة انتهى (ومنها): ما ذكره في "الفتح" من أنّ من حَمَلَ الكلام على ظاهره، وحقيقته، لم يُلَمْ، وإن كان مراد المتكلّم مجازه؛ لأنّ نسوة النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - حملن طول اليد على الحقيقة، فلم ينكر عليهنّ. هكذا قال في "الفتح". قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قوله: "فلم ينكر عليهنّ" فيه نظر؛ إذ لا دليل على أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - اطلع على ذرعهنّ للقصبة، حتّى يُنكر عليهنّ، فليُتأمّل. واللَّه تعالى أعلم.