(عَنْ كَعْبِ بْنِ عَاصِمٍ) - رضي اللَّه عنه -، أنه (قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، يَقُولُ:"لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ"، "البرّ" -بكسر الباء- أي الطاعة والعبادة. يعني أن الصوم في حال السفر ليس طاعة مشروعة.
قال الزركشيّ:"من" زائدة لتأكيد النفي. وقيل: للتبعيض، وليس بشيء. وتعقّبه البدر الدمامينيّ: فقال: هذا عجيب لأنه أجاز ما المانع منه قائم، ومنع ما لا مانع منه، وذلك أن من شروط زيادة "من" أن يكون مجرورها نكرة، وهو في الحديث معرفة، وهذا هو المذهب المعوّل عليه، وهو مذهب البصريين؛ خلافًا اللأخفش، والكوفيين، وأما كونها للتبعيض فلا وجه لمنعه، إذ المعنى: إن الصوم في السفر ليس معدودًا من أنواع البرّ. كذا ذكره القسطّلانيّ.
وهذا عند الجمهور محمول على ما يتضرّر به صاحبه، كما سيأتي تحقيق ذلك قريبًا، إن شاء اللَّه تعالى.
[تنبيه]: هذا الحديث باللفظ المذكور -أعني "ليس من البرّ الصيام في السفر" هو المشهور، كما رواه المصنّف، وابن ماجه، والدارميّ، والطحاويّ، والبيهقيّ، وقد جاء بـ"أم" بدل "ال"، رواه الإمام أحمد في "مسنده" جـ٥ ص ٤٣٤، فقال:
٢٣١٦٧ - حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن صفوان بن عبد اللَّه، عن أم الدرداء، عن كعب بن عاصم الأشعري، وكان من أصحاب السَّقِيفَة، قال: سمعت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يقول:"ليس من البر الصيام في السفر" انتهى.
وهذا الإسناد وإن كان صحيحًا، إلا أن الظاهر أنه بهذا اللفظ شاذّ، والمحفوظ هو اللفظ الأول. راجع "إرواء الغليل" ٤/ ٥٨ - ٥٩ للشيخ الألباني -رحمه اللَّه تعالى-. ورواه بإسنادين آخرين باللفظ الأول.
قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: وهذه لغة لبعض أهل اليمن، يجعلون لام التعريف ميما، ويحتمل أن يكون النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - خاطب بها هذا الأشعريّ؛ لأنها لغته، ويحتمل أن يكون الأشعريّ هذا نطق بها على ما أَلِفَ من لغته، فحملها الراوي عنه، وأداها باللفظ الذي سمعها منه، وهذا الثاني أوجه عندي. واللَّه أعلم انتهى (١).
وقال الزمخشريّ: هي لغة طيّئ، فإنهم يبدلون اللام ميما. وقال الجزريّ في "جامع