للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي رواية للبخاريّ: "فلا يرفث، ولا يجهل" وهو أعمّ من الأول: أي لا يفعل شيئًا من أفعال أهل الجهل، كالصياح، والسَّفَه، ونحو ذلك. ولسعيد بن منصور من طريق سهيل بن أبي صالح، عن أبيه: "فلا يرفث، ولا يُجادل". قال القرطبيّ: لا يفهم من هذا أن غير يوم الصوم يباح فيه ما ذُكر، وإنما المراد أن المنع من ذلك يتأكّد بالصوم. انتهى.

(فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ، أَوْ قَاتَلَهُ) وفي رواية للبخاريّ: "فإن سابّه أحد، أو قاتله"، وفي رواية له من طريق الأعرج عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -: "وإن امرؤ قاتله، أو شاتمه … "، ولأبي قُرّة من طريق سهيل، عن أبيه:"وإن شتمه إنسان، فلا يكلّمه"، ونحوه في رواية هشام، عن أبي هريرة، عند أحمد، ولسعيد بن منصور من طريق سهيل: "فإن سابّه أحد، أو ما راه"، أي جادله، ولابن خزيمة من طريق عجلان مولى الْمُشْمَعِلِّ، عن أبي هريرة: "لا تُسابّ، وأنت صائم، فإن سبّك أحد، فقل: إني صائم، وإن كنت قائمًا فاجلس" (١)، وللمصنّف من حديث عائشة - رضي اللَّه عنها - الآتي -٤٣/ ٢٢٣٤ - "وإن امرؤ جهل عليه، فلا يشتمه، ولا يسبّه" (فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ) أي فليعتذر عنده من عدم المقابلة بأن حاله لا يساعد المقابلة بمثله، أو فليذكر في نفسه أنه صائم؛ ليمنعه ذلك عن المقابلة بمثله. قاله السنديّ (٢).

وقال في "الفتح": واتفقت الروايات على أنه يقول: "إني صائم"، فمنهم من ذكرها مرتين، ومنهم من اقتصر على واحدة.

وقد استُشكل ظاهره بأن المفاعلة تقتضي وقوع الفعل من الجانبين، والصائم لا تصدر منه الأفعال التي رتّب عليها الجواب، خصوصًا المقاتلة.

والجواب عن ذلك أن المراد بالمفاعلة التهيّؤ لها، أي إن تهيّأ لمقاتلته، أو مشاتمته، فليقل: إني صائم، فإنه إذا قال ذلك أمكن أن يكفّ عنه، فإن أصرّ دَفَعه بالأخفّ، فالأخفّ، كالصائل. هذا فيمن يروم مقاتلته حقيقة، فإن كان المراد بقوله: "قاتله" شاتمه؛ لأن القتل يطلق على اللعن، واللعنُ من جملة السبّ -ويؤيّده ما تقدّم من الألفاظ المختلفة، فإن حاصلها يرجع إلى الشتم- فالمراد من الحديث أنه لا يعامله بمثل عمله، بل يقتصر على قوله: "إني صائم".

واختُلف في المراد بقوله: "فليقل: إني صائم"، هل يخاطب بها الذي يكلّمه بذلك،


(١) - إسناده صحيح. وعجلان المدنيّ مولى المشمعلّ -بضمّ الميم، وسكون المعجمة، وفتح الميم، وكسر المهملة، وتشديد اللام- لا بأس به، من الرابعة. أفاده في "ت".
(٢) - "شرح السنديّ" ج ٤ ص ١٦٤.